الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله: { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا... } الآية.

عام في السراق، خاص في السرقة؛ لأنه يدخل جميع أهل الخطاب في ذلك، وإن كان يجوز أن يدرأ الحد عن بعض السراق، إذا سرقوا من محارمهم، أو ممن له تأويل الملك في ماله أو شبهة التناول منه؛ لأنه إذا سرق ممن ليس له ذلك التأويل ولا تلك الشبهة - قطع؛ فدل أنها عامة في السراق؛ وعلى هذا يخرج قول ابن عباس؛ حيث سئل عن قوله - تعالى -: { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } أخاص هو أم عام؟ فقال: " لا؛ بل عام " أي: عام في السراق؛ ألا ترى أنه قال في خبر آخر؛ حيث سئل عن ذلك فقال: " ما كان من الرجال والنساء قطع ".

وأما قولنا: " خاص في السرقة "؛ لأنه لا يحتمل قلب أحد قطع اليد في الشيء التافه الخسيس الذي إذا أخذ [منه] دل أن الخطاب بذلك من الله - عز وجل - رجع إلى سرقة دون سرقة، لا إلى كل ما يقع عليه اسم السرقة؛ وكذلك الخطاب بقطع اليد رجع إلى بعض اليد، وهو الكف، وإن كان اسم اليد يقع من الأصابع إلى الإبط؛ لأن الناس مع اختلافهم - اتفقوا على أن اليد لا تقطع من الإبط ولا من المرفق، لكنهم اختلفوا فيما دون ذلك: فعلى قول بعضهم: تقطع الأصابع دون الكف، وعندنا: أنه تقطع الأصابع بالكف؛ لأنه بها يُقْبَضُ الشيءُ ويُؤْخذ؛ فمخرج الخطاب بالقطع عام، والمراد منه: رجع إلى بعض اليد دون بعض.

وكذلك قوله تعالى: { فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } مخرج الخطاب بالقطع عام، ليس فيه بيان من يتولى القطع، فالمراد منه: رجع إلى الولاة؛ فهذا كله يدل على أن ليس في مخرج عموم اللفظ دليل عموم المراد، ولا في مخرج خصوص اللفظ دليل خصوصه؛ بل يعرف ذلك كله بدليل: يقوم العموم بدليل العموم، والخصوص بدليل الخصوص؛ فهذا ينقض قول من يقول: إنه على العموم حتى يقوم دليل الخصوص، والله أعلم.

فإن قيل لنا: أيش الحكمة في إقامة الحد في السرقة على ما به تكتسب السرقة وهو اليد، ولم يقم الحد في سائر الحدود فيما به كان اكتسابها؛ من نحو القصاص والزنا وغيره، أنه إذا قتل آخر لم تقطع يده وبها كان اكتساب القتل؛ وكذلك الزنا لم يقم الحد على ما به كان الزنا، بل أقيم على غير ما به كان ذلك الفعل، وفي السرقة أقيم على ما به كان ذلك خاصة؟!

قيل: والله أعلم - لخلتين: إما لقصور في الاستيفاء من الحق، أو لخوف الزيادة في الاستيفاء على الحق؛ لأنه إذا قتل: لو قطعت يده بقيت له النفس، وقد تلفت نفس الآخر، فكان في ذلك قصور في استيفاء الحق.

السابقالتالي
2 3 4 5