الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله - عز وجل -: { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ }.

كفروا كفر مكابرة ومعاندة، لا كفر شبهة وجهل؛ لأنهم أقروا أنه ابن مريم، ثم يقولون: إنه إله، فإذا كان هو ابن مريم وأمُّه أكبر منه؛ فمن البعيد أن يكون من هو أصغر منه إلهاً لمن هو أكبر منه وربا؛ وإلا الكفر قد يكون بدون ذلك القول، لكن التأويل هو ما ذكرنا: أنهم كفروا كفر معاندة ومكابرة مع إقرارهم أنه ابن مريم؛ حيث جعلوا الأصغر إله الأكبر وربّاً له.

وقوله - عز وجل -: { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً }.

أي: لا أحد يملك من دون الله شيئاً، إن اراد إهلاك { ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ... } الآية، أي: لو كان إلهاً - كما تقولون - لكان يملك دفع الإهلاك عن نفسه وعن أمه ومن عبدهما في الأرض.

وقيل: فمن يملك أن يمنع من الله شيئاً من عذابه إن أراد أن يهلك المسيح بعذاب، وأمَّه ومن في الأرض جميعاً بعذاب أو بموت؟! وهما واحد.

ثم عظَّم نفسه عن قولهم ونزهها حين قالوا: { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } ، فقال: { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }.

أي: كلهم عبيده وإماؤه، يخلق ما يشاء من بشر وغير بشر.

{ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

أي: قادر على خلق الخلق من بشر ومن غير بشر، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [الآية].

يحتمل أن يكون هذا القول لم يكن من الفريقين جميعاً، ولكن كان من أحد الفريقين هذا، ومن الفريق الآخر غيره، وكان كقوله - تعالى -:وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة: 111] كأن هذا القول: كان كل فريق نفي دخول الفريق الآخر الجنة، لا أن قالوا جميعاً:لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة: 111].

ويحتمل: أن كان من النصارى { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ }؛ لما ذكر في بعض القصة أن عيسى - عليه السلام - قال لقومه: " أدعوكم إلى أبي وأبيكم الذي في السماء "؛ فقالوا عند ذلك: { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ } ، وكان من اليهود: " نحن أحباء الله ".

ويحتمل: أن يكون هذا القول كان منهما جميعاً، قال كل واحد من الفريقين: { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ }.

وقيل: إنهم قالوا ذلك في المنزلة والقدر عند الله تعالى، أي: لهم عند الله من المنزلة والقدر كقدر الولد عند والده ومنزلته عنده، ولا يعذبنا، فقال: قل يا محمد:

{ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم }.

إن كان ما تقولون حقّاً فلم يعذبكم؟! حيث جعل منكم القردة والخنازير، ولا أحد من الخلق يحتمل قبله أن يكون ولده أو صديقه قرداً أو خنزيراً.

السابقالتالي
2