الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً }.

هذا - والله أعلم - تعليم من الله - تعالى - هذه الأمة وإنباء من أنه قد أخذ العهود والمواثيق على الأمم السالفة، كما أخذ منكم؛ لأنه ذكر أنه: قد أخذ من هؤلاء الميثاق بقوله: { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ... } الآية. ثم أعلمهم بما وعد لهم من الثواب إن وفوا بتلك العهود والمواثيق التي أخذت عليهم، وبما أوعد لهم من العقاب إن نقضوا العهود التي أخذ عليهم؛ ليكونوا على حذر من نقضها، وليقيموا على وفائها.

أو أن يقال: إنه إنما ذكر ما أخذ على أولئك من العهود والمواثيق؛ ليكون ذلك آية من آيات رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إخبار عن الأمم السالفة، وهو لم يشهدها ولا حضرها؛ ليعلموا أنه إنما علم ذلك بالله.

ثم تحتمل تلك العهود والمواثيق التي أخذت عليهم: ما ذكر على أثرها وسياقها، وهو قوله - تعالى -: { وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ... } إلى آخر ما ذكر.

ويحتمل ما قال ابن عباس: { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } في التوراة: ألاَّ تشركوا به شيئا، وبالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وإحلال ما أحل الله، وتحريم ما حرم الله، وحسن مؤازرتهم.

{ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } ، يعني: ملكاً، وهم الذين بعثهم موسى إلى بيت المقدس؛ ليعلموا له علمها.

ويحتمل: أن يكونوا اختاروا من بينهم أولئك، فسألوا موسى أن يجعلهم عليهم قدوة يقتدون بهم ويعلمونهم الدين والأحكام، ويأخذ عليهم المواثيق والعهود؛ فيكون ما أخذ على أولئك من المواثيق والعهود عليهم، والله أعلم.

ثم اختلف في النقيب: قال بعضهم: النقيب: هو الملك، وهو قول ابن عباس.

وقال أبو عوسجة: النقيب: هو المنظور إليه، والمصدور عن رأيه، وهو من وجوه القوم، وجمعه: النقباء، مثل العرفاء.

وقال أبو عبيد: النقيب: الأمير والضامن على القوم.

وقال الكسائي والفراء يقال منه: نقبت عليه، أنقب، نقابة، وهو فرق العريف؛ يقال من العريف: عرفت عليهم عرافة، وهم النقباء والعرفاء.

والمناكب، واحدهم: منكب، وهم كالعون يكون مع العريف.

وقال القتبي: النقيب: الكفيل على القوم، والنقابة والنكابة: شبيهة بالعرافة.

وقوله - عز وجل -: { وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ } ، قال بعضهم: قال للنقباء: إني معكم في النصر والدفع عنكم، { لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ...ِ } إلى آخر ما ذكر، وهو قول ابن عباس، رضي الله عنه.

ويحتمل أن يكون هذا الوعد لكل من قام بوفاء ذلك: النقباء وغير النقباء، وما ذكر من الوعيد في الآية التي هي على أثر هذه على كل من نقض [ذلك] العهد: النقيب وغير النقيب.

السابقالتالي
2 3