الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } * { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

قوله - عز جل -: { مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } فيه وجهان:

أحدهما: ردّاً على من يقول: إن الموعظة لا تنفع ولا تنجع فيه إذا لم يكن الواعظ مستعملا لما يعظ غيره؛ إذ ليس أحد من الخلق أشد استعمالا من الرسل - عليهم السلام - ثم لا تنفع مواعظهم وذكراهم قومهم، ولا تنجع فيهم؛ لشؤمهم ولشدة تعنتهم.

والثاني: إنباء أن ليس على الرسل إلا البلاغ، ولا ضرر عليهم بترك القوم إجابتهم؛ كقوله - تعالى -:فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } [النور: 54].

وقوله - عز وجل -: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } ما تبدون من العداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، وبنصب الحرب والقتال معهم، وما تكتمون من المكر له، والقصد لقتله؛ كقوله - تعالى -:وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ } الآية [الأنفال: 30]، كانوا يمكرون، ويقصدون قصد إهلاكه، لكن الله - عز وجل - أطلع رسوله على مكرهم، وأخبر أنه يعصمه عن الناس، وقال -:كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً } [المائدة: 64].

وقوله - عز وجل -: { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ... } الآية.

يحتمل وجهين:

أحدهما: خرج عن سؤال قد سبق منهم عن كثرة الأموال؛ لما رأوا أولئك كانوا يستكثرون ويجمعون من حيث يحل ولا يحل، فمالت أنفسهم إلى ذلك ورغبت، فقال: { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ } كأنه قال: إن القليل من الطيب خير من الكثير من الخبيث، والله أعلم.

والثاني: أنهم رغبوا في عبادة أولئك من الترهب والاعتزال عن الناس؛ لدفع أذى أنفسهم عنهم، وكثرة ما كانوا يتحملون من الشدائد والمشقة؛ فرغبوا في ذلك، وهموا على ذلك، على ما ذكر في القصة عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم هموا أن يترهبوا ويعتزلوا من الناس؛ فقال: { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ } أن العمل القليل مع أصل طيب خير من الكثير مع خبث الأصل.

وقوله - عز جل -: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في مخالفة أمره ونهيه { يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } فيه دلالة أن الله لا يخاطب أحداً إلا من كمل عقله وتم، وبالله العصمة.

وقوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } يحتمل: أن يكون النهي عن السؤال عن أشياء خرج عن أسئلة كانت منهم لم يكن لهم حاجة إليها؛ فنهوا عن ذلك إلى أن يقع لهم الحاجة فعند ذلك يسألون، كأنهم سألوه عن البيان والإيضاح لهم قبل أن يحتاجوا إليه؛ ألا ترى أنه قال: { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ.

السابقالتالي
2