الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ }.

أجمع أهل التأويل على أن العقود - هاهنا - هي العهود، ثم العهود على قسمين:

عهود فيما بين الخلق، أمر الله - عز وجل - بوفائها.

وعهود فيما بينهم وبين ربهم، وهي المواثيق التي أخذ عليهم، من نحو: الفرائض التي فرض الله عليهم، والنذور التي يتولون هم إيجابها، وغير ذلك، أمر عز وجل بوفائها.

وأما العهود التي فيما بينهم من نحو: الأيمان وغيرها، أمر بوفاء ذلك إذَا لم يكن فيها معصيَة الرب؛ كقوله تعالى:وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا... } الآية [النحل: 91] أمر هاهنا بوفاء الأيمان، ونهى عن تركها ونقضها، ثم جاء في الخبر أنه قال: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ [عن] يَمِيْنَهُ " أمر فيما فيه معصية بفسخها، وأمر بوفاء ما لم يكن فيه معصية، ونهى عن نقضها بقوله تعالى:وَلاَ تَنقُضُواْ... } الآية [النحل: 91].

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ }: وهي العهود، وهو ما أحل وما حرم، وما فرض وما حدَّ، في القرآن كله، وهو ما ذكرنا.

وقيل: إن العقود التي أمر الله - تعالى - بوفائها هي العهود التي أخذ الله - تعالى - على أهل الكتاب: أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويأخذوا بشرائعه، ويعملوا بما جاء به، وهو كقوله:وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } [آل عمران: 187]، وكقوله:وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي } [الآية] [المائدة: 12].

فالخطاب لهم على هذا التأويل؛ لأنهم كانوا آمنوا به قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا به.

وقوله - عز وجل -: { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ }.

قال بعضهم: هي الوحوش، وهو قول الفراء؛ ألا ترى أنه قال: { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ }؟!.

وقال الحسن: هي الإبل والبقر والغنم.

وقال آخرون: البهيمة: كل مركوب.

لكن عندنا: كل مأكول من الغنم، والوحش، والصيد، وغيره، وإن لم يذكر.

دليله، ما استثنى: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ }؛ كأنه قال: أحلت لكم بهيمة الأنعام والصيد إلا ما يتلى عليكم منٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ } الآية [المائدة: 3] { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ }.

دل قوله: { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ } على أن الصيد فيه كالمذكور، وإن لم يذكر؛ لأنه استثنى الصيد منه، وأبداً: إنما يستثنى الشيء من الشيء إذا كان فيه ذلك، وأما إذا لم يكن؛ فلا معنى للاستثناء، فإذا استثنى الصيد دل الاستثناء على أن الصيد فيه، وإن لم يذكر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6