الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }

قوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ } ظاهر الآية نهي للجماعة عن سخرية جماعة؛ لأن السخرية إنما تقع وتكون في الأغلب بين قوم وقوم، وقلما تقع بين الأفراد والآحاد؛ فعلى ذلك جرى النهي، ولكن يكون ذلك النهي للجماعة والأفراد والآحاد جميعاً، والله أعلم.

ثم يحتمل السخرية المذكورة في الآية وجهين:

أحدهما: في الأفعال، يقول: لا يسخر قوم من قوم في الأفعال عسى أن يكونوا خيراً منهم في النية في تلك الأفعال أو خيراً منهم؛ أي: أفعالهم أخلص عند الله من أفعال أولئك، وأقرب إلى القبول.

والثاني: سخرية في الخلقة، وذلك راجع إلى منشئها، لا إليهم، وهم قد رضوا بالخلقة التي أنشئوا عليها، وعسى أن يكونوا هم على تلك الخلقة عندهم خيراً منهم.

ثم قوله - عز وجل -: { عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ } يحتمل وجهين:

أحدهما: عسى أن يصيروا من بعدهم خيراً من تلك الأحوال والأفعال التي هم عليها اليوم.

والثاني: عسى أن يكونوا هم عند الله خيراً منهم في الحال؛ كقوله - عز وجل -: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } أخبر أن الأكرم منهم عند الله - تعالى - هو أتقاهم، لا ما افتخروا بما هو أسباب الفخار عندهم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ } ذكر سخرية نساء من نساء؛ لأن النساء ليس لهن اختلاط مع الرجال حتى تجري السخرية بينهم، وإنما الاختلاط في الغالب بين الجنس يكون، فعلى ذلك جرى النهي بالسخرية، والله أعلم.

ويحتمل أنه خص هؤلاء بهؤلاء كما خص القصاص في قوله:كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ... } الآية [البقرة: 178]، ثم جمع بين الأحرار والعبيد، والذكور والإناث بالمعنى الذي جمعهم فيه، وهو ما ذكر:وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ } [البقرة: 179] أبان عن المعنى الذي به وجب القصاص فيما بينهم، فاشتركوا جميعاً في ذلك: الأحرار والعبيد، والذكور والإناث، فعلى ذلك ذكر المعنى الذي به نهاهم عن السخرية، وهو ما ذكر { عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ } فذلك المعنى يجمع سخرية الرجال من النساء، وسخرية النساء من الرجال، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } واللمز: هو الطعن.

ثم منهم من يقول: هو الطعن باللسان.

ومنهم من يقول: بالشدق والشفة.

ومنهم من يقول: بالعين؛ وحاصله هو الطعن فيه.

وقال القتبي: اللمز: هو العيب؛ أي: لا تعيبوا.

وقال أبو عوسجة: هو شبه العيب.

ثم قوله - عز وجل -: { أَنفُسَكُمْ } يحتمل وجهين:

أحدهما: { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } أي: تذكروا مساوى أنفسكم عند الناس.

السابقالتالي
2 3 4