الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

قوله - عز وجل -: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ }.

من الناس من احتج على تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء - عليهم السلام - بهذه الآية وبغيرها من الآيات يقول: لم يُذكر محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن إلا وخاطبه باسم الرسالة والنبوة؛ كقوله - تعالى -:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } [الأنفال: 64، 70] ويَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ } [المائدة: 67] وقوله: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ } ونحو ذلك، وسائر الأنبياء - عليهم السلام - إنما خاطبهم بأسمائهم التي جعلت لهم خلقة دون ختم الرسالة والنبوة، كقوله:يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا } [هود: 48]، ويٰلُوطُ } [هود: 81] ويَٰمُوسَىٰ } [البقرة: 61]، ويٰهَرُونُ } [طه: 92]، ويٰهُودُ } [هود: 53] ويَاصَالِحُ } [الأعراف: 77]؛ جميع من ذكرهم سواه إنما ذكرهم بأسمائهم الموضوعة في أصل الخلقة، ولم يجلُّوا ولم يسموا بأسماء الرسالة والنبوة؛ وذلك لفضل جعل له من بين غيره، وكذلك يحتج لتفضيل أمته وأصحابه على سائر الأمم حيث خاطب هذه الأمة بأحسن الأسماء فقال:يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 104]، وقوله:أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [النور: 31]، وقال في سائر الأمم:يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ } [الأعراف: 26، 27، 31، 35] ونحو ذلك، ومما يدل على فضيلتهم قوله - تعالى -:كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ... } الآية [آل عمران: 110]؛ أي: كنتم خير أمة في الكتب المتقدمة بما ذكر، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ... } الآية، ما وصفهم ونعتهم يرجع إلى أصحابه على الاجتماع، أي: الكل موصوفون بهذه الصفات التي ذكر في الآية، وأنها كلها فيهم، وهو كقوله - تعالى - في صفتهم:أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [المائدة: 54] أي: أشداء على الكفار، ورحماء على المؤمنين، وصفهم بذلك جملة، فعلى ذلك هاهنا.

ويحتمل أن يكون ذلك وصف بعضهم دون بعض، أو وصف عامتهم، فأما الكل فلا، وذلك نحو ما روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - حيث قال: لولا قوله - تعالى -:مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } [آل عمران: 152] ما كنا نعرف أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا، فإنما يكون ذلك وصف أمثال عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه.

ثم قد جعل الله - تعالى - الرحمة والرأفة نعتاً للمؤمنين، يتراحم بعضهم بعضاً، وكذلك روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدخلوا الجنة حتى تراحموا " قالوا: كلنا نتراحم ولده، فقال: " ليس ذلك برحمة، إنما الرحمة أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ولولده " ، أو كلام نحوه.

وروي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمنون كلهم كرجل واحد، إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى "

السابقالتالي
2 3 4