الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } * { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } * { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً }

قوله - عز وجل -: { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } يحتمل قوله: { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } لما عزموا على الوفاء على ما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصدق لذلك، والتحقيق لما عهدوا من الوفاء لذلك - أخبر الله أن قد رضي الله عنهم لذلك، فنحن نستدل به على صدق ذلك وتحقيقه وإن لم يخبرنا الله تعالى أنهم قد عزموا على ذلك، فيجوز لنا أن نشهد أنهم قد عزموا على الوفاء لذلك والصدق له، وقد يكون من الاستدلال ما تكون الشهادة له بالحق والصدق إذا كان في الدلالة مثل ما ذكرنا، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } هذا يحتمل وجوهاً:

أحدها: ما ذكرنا: علم ما في قلوبهم من العزم على الوفاء والصدق؛ لما أعطوا بأيديهم من أنفسهم.

والثاني: علم ما في قلوبهم من الخوف والخشية، وذلك يتوجه وجهين:

أحدهما: أنهم خشوا ألا يتهيأ لهم القيام بأهل مكة؛ لأنهم كانوا مستعدين للحرب والقتال، وهم كانوا خرجوا لقضاء المناسك وزيارة البيت، خشوا ألا يقوموا لهم؛ فلم يفوا ما عاهدوا.

والثاني: خشوا ألا يقدروا على وفاء ما بايعوا وأعطوه؛ لأن في ذلك مناصبة جميع أهل الأديان والمذاهب، والله أعلم.

والثالث: علم ما في قلوبهم من الكراهة التي يذكرها أهل التأويل، لكن تلك الكراهة كراهة الطبع، لا كراهة الاختيار؛ لأنهم طمعوا الوصول إلى البيت، ورجوا دخولها، فلما جرى الصلح بينهم على ألا يدخلوا عامهم ذلك، فانصرفوا، فاشتد ذلك عليهم، فكرهوا ذلك، لكن كراهة الطبع، لا كراهة الاختيار، وقد يكره طبع الإنسان شيئاً والخيار غيره؛ كقوله - عز وجل -:وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } [النساء: 19]، وكقول يوسف:رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } [يوسف: 33] محبة الاختيار، لا محبة الطبع، بل الطبع إلى ما يدعونه أميل من السجن.

وقوله - عز وجل -: { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } أي: أنزل عليهم ما يسكن به قلوبهم؛ لما علم تحقيق الوفاء لما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق ما أعطوا من أنفسهم، وأثابهم مكان ما كانوا يرجون ويطمعون من دخول مكة، وما كرهت أنفسهم من الرجوع - فتحاً قريباً، وهو فتح مكة، أو فتح خيبر، والله أعلم.

ثم قوله: { وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } اختلف فيه:

منهم من صرف الفتح القريب المذكور في الآية إلى فتح خيبر، وإلى مغانم خيبر حين بشروا بالحديبية بفتح خيبر، وجعل المغانم لهم مكان ما منعوا من دخول مكة وحيل بينهم وبين ما قصدوا، أو في الطريق بعد منصرفهم من الحديبية على ما ذكر في القصة، والله أعلم.

السابقالتالي
2