الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } * { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ } * { إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } * { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم }

قوله - عز وجل -: { أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ }.

قال بعضهم: أي: أطيعوا الله في الجهاد، ولا تبطلوا حسناتكم بالرياء والسمعة.

وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: { يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وأطيعوا الرسول }.

ويحتمل: ولا تبطلوا أعمالكم بالارتداد والكفر بعد الإيمان.

ويحتمل: أي: لا تبطلوا أعمالكم بالمن على الله، أو على الرسول في الإسلام؛ أي: تسلمون ممتنون على الله أو على رسوله؛ كقوله - تعالى -:يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ... } الآية [الحجرات: 17].

وقال قتادة: ولا تبطلوا أعمالكم بالرياء، وقال: فمن استطاع منكم ألا يبطل عملا صالحاً بعمل شر فليفعل؛ إن الشر ينسخ الخير، وإنما ملاك العمل بخواتيمه، فمن استطاع أن يختم بخير فليفعل، ولا قوة إلا بالله.

وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: ما كنا معشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نرى شيئاً يبطل أعمالنا حتى نزلت هذه الآية، فعلمنا ما الذي يبطل أعمالنا؟! الكبائر الموجبات والفواحش، فكنا على ذلك حتى أنزل الله - تعالى -:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ... } الآية [النساء: 48، 116]، فلما نزلت هذه الآية كففنا عن هذا القول.

وجائز أن يكون قوله - تعالى -: { وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } قال: هذا ليكونوا أبداً على اليقظة والحذر؛ لئلا تبطل أعمالهم من حيث لا يشعرون؛ كقوله:أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } [الحجرات: 2].

وفي حرف أبي - رضي الله عنه -: { ولا تبطلوا إيمانكم }.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } تأويلها ظاهر.

وقوله - عز وجل -: { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } أي: لا تضعفوا وتدعوا إلى الصلح، كذلك قال القتبي.

وقال أبو عوسجة: السلم - بكسر السين -: الصلح، ولا أعرف بفتح السين هاهنا له معنى.

وقوله - عز وجل -: { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } أي: وأنتم الغالبون.

فيه النهي عن الدعاء إلى الصلح إذا كانوا هم الأعلون؛ أعني: أهل الإسلام.

ثم قوله - تعالى -: { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } يحتمل وجوهاً:

يحتمل: الأعلون بالحجج والبراهين في كل وقت.

ويحتمل: { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } بالقهر والغلبة في العاقبة؛ أي: آخر الأمر لكم.

ويحتمل { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } في الدنيا والآخرة؛ لأنهم وإن غلبوا في الدنيا وقتلوا كانت لهم الآخرة، وإن ظفروا بهم كانت لهم الدنيا والأموال.

وقال بعضهم: { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } أي: وأنتم أولى بالله منهم، وهو ما ذكرنا في الآخرة، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَٱللَّهُ مَعَكُمْ } في النصر والغلبة.

السابقالتالي
2 3 4