الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } * { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ }

قوله - عز وجل -: { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } أي: حسب المنافقون أن لن يظهر الله عداوتهم، وأن لن يبدي الله ما في قلوبهم من العداوة؛ جعل الله - جل وعلا - في إظهار ما أسر أهل النفاق وإبداء ما أخفوه فيما بينهم - آية عظيمة، ودلالة ظاهرة على رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقوله - عز وجل -: { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } كأنه على التقديم والتأخير؛ كأنه قال: ولو نشاء لأريناكهم بسيماهم بالنظر إليهم بالبديهة، ولتعرفنهم - أيضاً - في لحن القول؛ أي: لو نشاء لجعلنا لهم أعلاماً في الوجه والقول لتعرفنهم، ولكن لم نجعل لهم، ولكن جعل معرفتهم بأعمال يعملون فيظهر نفاقهم بذلك - والله أعلم - كقوله:وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } [البقرة: 204]، وقال في آية أخرى:وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } [المنافقون: 4]، وقوله:رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ... } الآية [محمد: 20]، وقوله - عز وجل -:وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } [التوبة: 54]، وقوله:إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ } [التوبة: 45]، ونحو ذلك من الآيات مما كان يظهر نفاقهم وخلافهم بالأعمال التي كانوا يعملون؛ فدلت هذه الآيات على أنه كان لا يعرفهم بالسيماء والنطق والقول والأجسام، وإنما يعرفهم بأفعال كانوا يفعلونها، والله أعلم.

وقال بعضهم: { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } أي: فحوى الكلام، فكان يعرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلموا؛ فيخرج على هذا التأويل.

وقوله: { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ } على الوعد؛ أي: تعرفهم في حادث الوقت، والله أعلم.

قال أبو عوسجة: يقال: رجل ألحن بحججه، ويقال: لحن يلحن - إذا أخطأ - لحناً، فهو لاحن؛ كأنه من العدول والميل عن الحق.

وقال القتبي: { فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } أي: في فحوى كلامهم.

وقوله - عز وجل -: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } يحتمل هذا وجهين:

أحدهما: والله يعلم ما تسرون من الأعمال وتخفونها.

والثاني: على الجملة؛ أي: يعلم جميع أعمالهم: ما أسروا وأعلنوا؛ يخرج على الوعيد، كقوله:إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [هود: 112]، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ } ، هذا يخرج على وجوه:

أحدها: أي: حتى يعلم أولياؤه المجاهدين منكم والصابرين من غير المجاهدين وغير الصابرين، فيكون المراد من إضافة العلم إلى نفسه علم أوليائه؛ كقوله - تعالى -:إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [محمد: 7]، وقوله - عز وجل -:يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [النساء: 142]، ونحوه، فالمراد منه أولياؤه على أحد التأويلات، والله أعلم.

السابقالتالي
2