الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } * { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } * { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } * { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَٰنَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ }

قوله - عز وجل -: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } اختلف في تأويل هذه الآية:

قال بعضهم: قوله - تعالى -: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ } أي: فلعلكم { إِن تَوَلَّيْتُمْ } أي: وليتم أمر هذه الأمة { أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } قال ابن عباس - رضي الله عنه -: قد كان هذا، وهم بنو أمية، ولوا أمر هذه الأمة ففعلوا ما ذكر من الفساد في الأرض وقطع الأرحام، وكان لهم اتصال برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان منهم ما ذكر، والله أعلم.

وقال بعضهم: إن الآية في المنافقين؛ كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمعون منه ما قال، ثم إذا تولوا عنه كانوا يسعون في الأرض بالفساد وما ذكر؛ كقوله - تعالى -:وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا... } [البقرة: 204] إلى قوله:وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ... } [البقرة: 205] إلى قوله:وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } [البقرة: 205].

وقال بعضهم: ما أراه إلا نزلت الآية في الحرورية، وهم الخوارج.

وجائز أن يكون هذا ما ذكر في آية أخرى؛ حيث قال:أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } [آل عمران: 144] وقد انقلبوا، على ما أخبر، وهو في أهل الردة، والله أعلم.

وقال قتادة:فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } [محمد: 21]، أي: طواعية الله ورسوله، وقول المعروف عند حقائق الأمور خير لهم، { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ } يقول: إن توليتم عن كتابي وطاعتي { أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } يقول: كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله، ألم يسفكوا الدماء الحرام، وقطعوا الأرحام، وعصوا الرحمن، وأكلوا المال الحرام؟!

ويحتمل أن تكون الآية في الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا به، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } اللعن: هو الطرد عن الرحمة، وهو كقوله لإبليس:وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ص: 78] أي: أنت مطرود عن رحمتي، وقوله - تعالى -: { لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي: طردهم عن رحمته.

وقوله - عز وجل -: { فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } أي: أصمهم حتى لم يسمعوا سماع الاعتبار والتفكر، وأعمى أبصارهم حتى لم ينظروا فيما عاينوا نظر اعتبار وتفكر ما لو تفكروا وتأملوا ونظروا نظر معتبر، لأدركوا، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ... } الآية.

فيه أنهم لو تدبروا وتأملوا فيه، لأدركوا ما فيه.

وفيه - أيضاً - أنهم لو تدبروا العذاب لفتح تلك الأقفال التي ذكر أنها عليها، وذهب بها، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } أي: على قلوب أقفالها.

السابقالتالي
2 3