الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ }

قوله - عز وجل -: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال عامة أهل التأويل: هم أهل مكة.

والأشبه أن تكون الآية في كفار المدينة وهم أهل الكتاب؛ لأن السورة مدنية؛ على ما قال بعض أهل التأويل، لكن جائز أن يكون كما قال أهل التأويل بأنها نزلت في كفار [مكة]؛ لأن هذه السورة ذكرت على أثر خبرهم وعقيب نبئهم في سورة الأحقاف.

ثم إن كانت الآية في كفار المدينة وأهل الكتاب فيكون يحتمل: الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم - وما أنزل عليه { أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } أي: أبطل إيمانهم الذي كان لهم بسائر الأنبياء وبمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا مؤمنين به قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا به؛ يقول - والله أعلم -: قد أبطل إيمانهم الذي كان منهم قبل ذلك بما كفروا بعدما بعث.

وإن كانت الآية في كفار مكة على ما قال أكثرهم؛ فيكون قوله: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بوحدانية الله - تعالى - أو كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه، أو كفروا بالبعث، ونحو ذلك { أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } أي: أبطل حسناتهم التي كانت لهم في حال كفرهم؛ من نحو الصدقات، وصلة الأرحام، وفك الرقاب، وغير ذلك من الأعمال التي كانوا يتقربون بها - والله أعلم - قد أبطل أعمالهم التي كانوا يتقربون بها ويرونها قربة عند الله.

أو يقول: قد أبطل عبادتهم التي كانوا يعبدون من الأصنام وغيرها لتقربهم عبادتهم إلى الله زلفى؛ لقولهم:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3]، وقولهم:هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18] يقول: قد أبطل ذلك ولم يكن على ما رجوا وطمعوا، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } يحتمل أن صدوا بأنفسهم؛ أي: أعرضوا عن سبيل الله؛ على ما ذكر عنهم.

ويحتمل: { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي: صدوا الناس عن سبيل الله، وقد كان منهم الأمران جميعاً { أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } أي: أبطل؛ يقال: ضل الماء في اللبن: إذا غلب فلم يتبين.

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } يقول: والذين آمنوا بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وآمنوا بما نزل عليه، وثبتوا على ذلك - لم يضل أعمالهم، ولم يبطل إيمانهم الذي كان منهم؛ بل يكفر سيئاتهم التي كانت منهم من الكفر وغيره من السيئات.

أو يقول: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } صلى الله عليه وسلم { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } وهو الكفر والمساوي التي كانت لهم من الكفر؛ كقوله - تعالى -:إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [الأنفال: 38] إن كانت الآية في مؤمني ومشركي العرب وأهل مكة فيكون قوله: { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ }: الشرك والمساوي التي كانت لهم في حال الكفر، وإن كان في مؤمني أهل الكتاب، فيكون قوله: { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } في حال إيمانهم، والله أعلم.

السابقالتالي
2