الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } * { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

قوله - عز وجل -: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ... } الآية.

والإشكال: ما معنى قوله: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } ، وهم لم يشاهدوا خلقهما، ولم يروا، لكن قال بعضهم: أي: أولم يخبروا؟

وقال بعضهم: أولم يعلموا؟ أي: قد أخبروا وعلموا؛ ذكر هذا لأنهم كانوا مقرين جميعاً أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض.

ثم قوله - عز وجل -: { وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } يقول - والله أعلم - أي: لما علموا أن الله - سبحانه وتعالى - هو خلق السماوات والأرض، ولم يضعفه خلق ما ذكر، ولم يعجزه ذلك عن تدبير ما يحتاج ذلك إليه من الإمساك والقيام بما به قوام ما خلق فيهن من الخلائق وإصلاحهم، فإذ لم يعجز عما ذكره لا يحتمل أن يكون عاجزاً عن إحياء الموتى، أو عن شيء ألبتة.

أو يقول: حيث لم يعي؛ ولم يظهر فيه الضعف في خلق ما ذكر، ثم لا أحد يملك أن يعمل عملا إلا ويظهر فيه الضعف، فإذا لم يعجز ولم يضعف في خلق ما ذكر؛ دل ذلك على أنه إنما لم يضعفه؛ لأن قدرته ذاتية، ومن كانت قدرته ذاتية لا يعجزه شيء، فأما غيره إنما يعمل بأسباب فيقدر على العمل على قدر الأسباب ويعجز ربما عنه، والله أعلم.

أو يقول: إذ قد عرفتم أن الله - تعالى - هو خلق السماوات والأرض، ثم لا يحتمل أن يخلقهما عبثاً باطلا؛ إذ لو لم يكن بعث كان خلقهما باطلا عبثاً، وأصله ما ذكرنا بدءاً: أن من قدر على إنشاء ما ذكر من السماوات والأرض وما فيهما بلا احتذاء تقدم ولا استعانة بغير، ثم الإمساك والقوام على التدبير الذي دبر إلى آخر الدهر، لا يحتمل أن يعجزه شيء.

وقوله - عز وجل -: { بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }؛ لأنه قادر بذاته، لا بقدرة مستفادة.

قال أبو عوسجة والقتبي: قوله: { وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ } يقال: عييت بهذا: أي: لم أحسنه، ولم أقو عليه.

وقوله - عز وجل -: { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا } مرة قيل لهم:أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ } [الزمر: 71] ومرة قيل لهم: { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا } يقص هذا عليهم يومئذ ليعترفوا بالذي كانوا ينكرون في الدنيا؛ لأنهم كانوا ينكرون في الدنيا الرسل والآيات، وكانوا ينكرون كون البعث وعذابه، فيعرضون على النار، فيقال لهم: هذا الذي وعدتم في الدنيا، أليس هو حقا؟ فيعترفون ويقولون: { بَلَىٰ وَرَبِّنَا } فيقال لهم: { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } في الدنيا، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3