الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } * { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً } وحُسْناً } [العنكبوت: 8]؛ كأنه قال: أمرنا الإنسان أن يحسن إلى والديه، فالحسن: هو اسم ما يقع بهم من البر، وهو المفعول، والإحسان هو اسم فعله الذي يفعل بهم.

وقوله - عز وجل -: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } ، وقال في آية أخرى:حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } [لقمان: 14]، وقال في آية أخرى:حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } [الأعراف: 189] أي: إنها في أول ما حملت [حملت] حملا خفيفاً، فلما كبر أثقلت، وهو وصف الولد.

وقوله - عز وجل -:وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } [لقمان: 14] وذلك في الأم؛ لأنها لا تزال تضعف وتوهن من أول ما حملت إلى آخر ما وضعت.

وقوله - تعالى -: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } في أول ما تحمل تجد كراهة في نفسها إلى وقت وضعها.

والثاني: يشبه أن يكون على الجمع في الأم دون الولد على اختلاف الأحوال، وهو في الابتداء يخف عليها الحمل، ويثقل ذلك عليها إذا دنا وقت وضعها، وما ذكر من الوهن فهو ما ذكرنا أنها لا تزال تزداد ضعفاً فيها ووهناً من أوّل حملها إلى وقت وضعها، وما ذكر من الكراهة فهو إذا تم حملها شق ذلك عليها، وكذلك الوضع، لا شك أن ذلك يشق عليها.

والتأويل الأوّل على التفريق في حال يرجع الوصف إلى الولد، وفي حال إلى الوالدة، والثاني يرجع ذلك كله إلى وصف الأم، وعلى التأويلين حصل التوفيق بين الآيات؛ لرجوعها إلى اختلاف الأحوال، فأمكن الجمع بين الكل في أحوال، والاختلاف إنما يكون في حال واحد، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } اختلف فيه:

قال بعضهم: إن الآية نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حملته أمه كرهاً؛ أي: بمشقة، ووضعته بمشقة، ثم وضعته على تمام ستة أشهر.

وقال بعضهم: الآية نزلت في الحسن أو الحسين - رضي الله عنهما - وضعته [أمه] على ما ذكر في المدّة.

ثم منهم من يقول: الآية وإن نزلت في نازلة بعينها، لكن ما ذكر من الحكم فذلك في كل إنسان وهو أن يكون الولد ثابت النسب من الأب بهذه المدة، فإنه روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه أتي بامرأة وضعت في ستة أشهر، فأراد أن يرجمها، فقال ابن عباس - رضي الله عنه - يا أمير المؤمنين، إن الله - تعالى - قد جعل في كتابه مخرجاً؛ قال الله - تعالى -:وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [البقرة: 233]، وقال: { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } ستة أشهر لحملها، ورضاعه سنتين، فأخذ بقول ابن عباس - رضي الله عنه - ودرأ عنها الرجم.

السابقالتالي
2 3 4 5