الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } * { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } * { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قوله - عز وجل -: { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } هذا يخرج على وجوه:

أحدها: ولله ملك كل ملك في السماوات والأرض.

أو { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }؛ أي: خزائن السماوات والأرض، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود، رضي الله عنه.

أو يقول: ولله حقيقة ملك السماوات والأرض.

فإن كان التأويل هو الأول فإن له ملك كل ملك في السماوات والأرض، ففيه إخبار وإعلام بليغ أتباعَ أولئك الملوك، و[ذوي] التعظيم لهم، والإجلال، والخدمة لهم بما في أيديهم من الملك والسلطان وفضل الأموال [ألا يصرفوا ذلك إليهم]؛ بل فيه الأمر بصرف ذلك كله إلى الله - تعالى - والقيام له بالشكر، لا لأولئك؛ لأن الذي في أيديهم لله - تعالى - وهو الجاعل في أيديهم، والواضع عندهم، فإليه يلزم صرف الشكر والعبادة، والله أعلم.

وإن كان تأويل الملك: الخزائن، ففيه قطع الأطماع عما في أيدي الناس، والأمر بصرف ذلك إلى الله - تعالى - والرجاء منه دون من سواه، والله أعلم.

وإن كان الثالث، وهو أن حقيقة الملك لله - تعالى - ففيه أنه فيما امتحنهم في الدنيا بأنواع المحن لم يمتحنهم لمنفعة ترجع إلى نفسه، أو لمضرة يدفع عنها، وكذلك ما يثيبهم في الآخرة ويعاقبهم، ليس يفعل ذلك لمنفعة كانت له في الدنيا أو دفع مضرة عنه، ولكن لحكمة أوجبت ذلك لهم وعليهم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ } سمى القيامة: ساعة، فجائز أن يكون سماها [بذلك]؛ لسرعة قيامها، أو نفاذها؛ كقوله - تعالى -:وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [النحل: 77].

أو أن يكون سماها بذلك؛ لما يكون حسابهم وأمرهم يوم القيامة إنما يكون في ساعة، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } يحتمل: أي: يومئذ يبين خسران المبطلين في الدنيا، وعلى ذلك يبين خسران كل مشتركين في تجارة الدنيا؛ إذا [اشتركوا] في عمل عند القسمة يتبين خسران عملهم وتجارتهم.

وأصله أن الله - تعالى - جعل الدنيا وما أنشأ فيها من الأموال والأملاك رءوس أموال لأهلها يتجرون ويكتسبون بها الربح في الآخرة، وأنه إنما أنشأ الدنيا للآخرة، لا أنه أنشأها لنفسها؛ ولذلك قال:إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } الآية [التوبة: 111]، وقال:وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } [البقرة: 207] ونحوه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } يحتمل أن يكون ما ذكر من الجثو للركب في الآخرة تعريف لهم وإنباء أنهم يختصمون يوم القيامة جاثين للركب، كما يختصم في الدنيا عند الحكام والأمراء جاثين للركب، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6