الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } * { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } قال أهل التأويل: أي: التوراة.

والإشكال: أنه آتى بني إسرائيل جملة كتباً كثيرة، أمّا التوراة والإنجيل والزبور هي كتب معروفة قد نعرفها، وقد يجوز أن يكون لهم كتب غيرها، فما معنى ذكر الكتاب؟ وما معنى حملهم على أن التوراة [هي المرادة]، إلا أن نقول: يجوز أن يريد بذكر الكتاب: الكتب؛ فإنه أدخل الألف واللام، فيكون لاستغراق الجنس.

ويحتمل أنّه أراد به التوراة، كما قال أهل التأويل؛ إذ يجوز أن يذكر اسم العام ويراد به الخاص، وهو الواحد منهم.

ويحتمل أن تكون التوراة هي الكتاب الذي فيه عامة الأحكام، فإنه قيل: إن الزبور ليس فيه الحكم، إنما فيه التسبيح والتحميد، وكذا الإنجيل ليس فيه إلا أحكام قليلة، فيجوز أن يكون المراد: التوراة لهذا، والله أعلم.

وقوله: { وَٱلْحُكْمَ } قال بعضهم: { وَٱلْحُكْمَ } أي: فهم ما فيه.

وقال بعضهم: { وَٱلْحُكْمَ }: فقه ما في الكتاب؛ إذ الحكم الظاهر داخل تحت قوله: { ٱلْكِتَابَ } بين بقوله: { وَٱلْحُكْمَ } أنه أعطى الحكم الظاهر فيه، والحكم المستخرج منه بالاستنباط والاجتهاد، والله أعلم.

ويحتمل أن يراد بالكتاب: هو ما يتلى فيما بينهم وبين ربهم، والحكم هو ما أمرهم فيه أن يحكموا فيما بين العباد والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَٱلنُّبُوَّةَ } إنما ذكر النبوة؛ لأن النبوة كانت ظاهرة في بني إسرائيل، فإنه ذكر أن في بني إسرائيل كذا كذا رسولا ونبيّاً، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } قد كان رزقهم [من] الطيبات ما ذكر من المنّ، والسلوى، وغير ذلك من الطيبات، [ما] لا يحصى.

وقوله - عز وجل -: { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } قد ذكرنا تفضيلهم على العالمين في موضعه.

وقوله - عز وجل -: { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } قال بعضهم: { بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } أي: آيات من الأمر.

وقيل: { بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } أي: ما بين لهم من الحلال والحرام والشبه، ونبأ ما كان قبلهم، والله أعلم.

ويحتمل { بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } أي: بيان ما تقع الحاجة إليه من الأمر.

وعندنا { بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } يخرج على وجهين:

أحدهما: { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } أي: بينات التكوين ودلالات لما جعل الله لهم في نفس كل أحد من دلالات وحدانيته وألوهيته.

أو ما أقام من الآيات في العالم على التكوين يدل على جعل الألوهية والربوبية له.

وقوله - عز وجل -: { فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } على ما ذكرنا من أمر التكوين؛ أي: ما اختلفوا في صرف الألوهية والوحدانية عن الله - تعالى - إلى غيره { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي: إلا من بعد ما بين لهم أن الألوهية والربوبية [له] بالدلالة الواضحة والحجة النيرة، وأنّ له الخلق والأمر؛ إلا أنه ذكر العلم وأراد به أسباب العلم ودلائله، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3