الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } * { يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { هَـٰذَا هُدًى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ }

قوله - عز وجل -: { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } الأفاك: هو المصروف عن اتباع ما توجب الحكمة اتباعه.

وقال بعضهم: الأفاك: الكذاب، والأثيم: هو الذي اعتاد الإثم، وهو أكثر من الآثم.

ثم نعت ذلك الأفاك فقال: { يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا }.

يحتمل قوله: { ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } القرآن.

ويحتمل: { ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } آيات وحدانية الله - عز وجل - أو آيات رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم أخبر عن تعنته وعناده في آيات الله حيث قال: { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً } أي: يصر مستكبراً بعد تلاوة الآيات عليه، وبعد معرفته وفهمه أنها آيات الله، كما كان يصر قبل ذلك؛ لأنها آيات خارجات عن وسعهم؛ إذ عجزوا عن إتيان مثلها، فإذا كانت خارجة عن احتمال وسعهم فكذلك هي خارجات عن وسع محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو واحد من البشر مثلهم، فيعرفون أنّه إنما قدر على إتيان مثلها بالله - تعالى - بما أوحى إليه وأعلمه بذلك { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا }؛ عناداً منه واستكباراً.

ثم أوعده العذاب الأليم، وهو قوله: { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي: مؤلم موجع.

وقوله - عز وجل -: { وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ، أي: عذاب يهينهم باستهزائهم بالآيات.

ثم قال: { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ } أضاف جهنم إلى ورائهم يحتمل أن يكون المراد من ذكر { مِّن وَرَآئِهِمْ } وراء الدنيا؛ كأنه قال: من وراء هذه الدنيا لهم جهنّم، لكنه أضاف ذلك إليهم؛ لأنهم فيها، وهم أهلها.

ويحتمل أن يكون قوله: { مِّن وَرَآئِهِمْ } أي: من وراء أحوالهم التي هم عليها جهنم.

وقوله: { وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ }.

يحتمل: { وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ } أي: ما عملوا من القرب التي عملوها؛ رجاء أن ينفعهم ذلك في الآخرة، أو يقربهم ذلك إلى الله زلفى؛ يخبر أن ذلك مما لا يغنيهم ولا ينفعهم في الآخرة.

وقوله - عز وجل -: { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وعد لهم في كل حال وكل أمر كان منهم عذاباً غير العذاب في حال أخرى؛ ذكر في الحال التي عبدوا الأصنام دونه، واتخذوها أرباباً العذاب العظيم، وذكر لهم باستهزائهم بآيات الله العذاب المهين، عذاباً يهينهم، ويهانون في ذلك، وذكر لهم بإصرارهم بما هم عليه واستكبارهم على آيات الله وعلى رسوله العذاب الأليم، حتى يكون مقابل كل [فعل] كان منهم نوعاً من العذاب غير النوع الآخر، وبصفة غير الصفة الأخرى، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { هَـٰذَا هُدًى } أي: بيان لهم.

وقوله - عز وجل -: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } أي: عذاب من عذاب أليم؛ إذ الرجز هو العذاب، كأنّه فسر ذلك العذاب ووصفه بالألم، والله أعلم.