الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } * { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } * { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } * { سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }

قوله - عز وجل -: { أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ }.

ثم يحتمل أن يكون ما ذكر من إبرامهم أمراً ما ذكر في آية أخرى، وهو قوله تعالى:وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الأنفال: 30] إبرامهم أمرا: هو مكرهم الذي مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر، والله أعلم.

ويحتمل: أن يكون إبرامهم الذي ذكر غير ذلك، وكيفما كان، ففيه وجهان من الدلالة:

أحدهما: ليعلموا أن الله - تعالى - عالم سميع بما يبرمون فيما بينهم من أمر سرّاً؛ لأنه في ظنهم أن الله لا يعلم ولا يسمع ما يبرمون من الأمر سرّاً، ولذلك قال تعالى: { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم }.

والثاني: فيه دلالة إثبات الرسالة؛ لأنهم أبرموا ذلك الأمر فيما بينهم سرّاً، ثم أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أبرموا وأحكموا من الأمر؛ ليعرفوا أنه إنما علم ذلك بالله تعالى.

وقوله - عز وجل -: { فَإِنَّا مُبْرِمُونَ }.

يحتمل: فإنا جازون جزاء إبرامهم.

ويحتمل: { فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } أي: إلينا يرجع تدبير إبرامهم الأمر ومكرهم جميعاً؛ وعلى ذلك قوله:فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً } [الرعد: 42] على هذين الوجهين اللذين ذكرناهما.

وقوله - عز وجل -: { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم }.

أي: بل يحسبون على ما ذكرنا: أن حرف الاستفهام منه يخرج على الإيجاب؛ كأنه قال: بل يحسبون؛ ألا ترى أنه قال: { بَلَىٰ وَرُسُلُنَا }.

وقوله: { بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ }.

هذا وعيد وتنبيه منه لهم؛ يخبر أن رسله يكتبون ما يسترون ويخفون من المنكر وغيره؛ ليكونوا أبدا على حذر ويقظة، والله أعلم.

وقوله: { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } له بالتعالي والتنزيه عن الولد، أي: وأنا أول من يعبد الرحمن بالإيمان والتصديق أنه ليس له ولد، على هذا أعبد الله تعالى.

والثاني: ما كان للرحمن ولد فأنا أول الآنفين، وهو من عَبِدَ يَعْبِد، أي: أنف يأنف، فيكون هذا تنزيه تَصريحٍ عن الولد، والأول تنزيه له بالكناية، هذا إذا كان معنى قوله: { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } ما كان للرحمن ولد.

ثم قوله - عز وجل -: { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } يخرج على التأويل - أيضاً - على وجهين:

أحدهما: أي: لو كان للرحمن ولد على زعمكم وعلى ما عندكم فأنا أول من أتبرأ عن أن يكون له ولد، وأدعوكم إلى الرحمن الذي لا ولد له، وهو كقوله - تعالى -:أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [القصص: 62-74] أي: أين شركائي [الذين] تزعمون أنتم أنهم شركاء؟ وقوله تعالى:وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } [طه: 97] أي: انظر إلى إلهك الذي هو في زعمك إله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7