الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } * { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } * { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ }.

الإجرام: هو الكسب في اللغة، والمجرم: الكاسب؛ يرجع ذلك إلى كل كاسب مما جل أو دق، إلا أن الناس عرفوا أن العذاب المذكور للمجرم الخاص وهو الكافر المشرك؛ فلا يجوز صرفه إلى كل كاسب، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ }.

يذكر هذا؛ ليعلم أن النار وإن أنضجت جلودهم وأحرقتهم، لا يفتر التألم عنهم بنضج الجلود، بل التوجع والتألم بعد نضج جلودهم واحتراقها على ما كان قبل النضج، والله أعلم.

قال: { وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }.

قال بعضهم: المبلس: الآيس.

وقال بعضهم: المبلس: الذليل الخاضع.

وقال الزجاج: المبلس: هو الساكت عن الكلام كمن لا يرجو الفرج من نطقه؛ لأن من يتكلم إنما يتكلم لفرج يرجو من نطقه أو كلام ونحوه.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } في التعذيب الذي يعذبون، { وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } ، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم؛ حيث عبدوا من لا يملك دفع العذاب عنهم، وتركوا عبادة من يملك دفع ذلك عنهم، والله أعلم.

ويحتمل: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } في ترك البيان عليهم، أي: لم نترك بيان ما عليهم وما لهم، بل بينا لهم عاقبة السبيلين جميعاً أنه إلى ذلك [و]ذا يفضي عاقبة هذا السبيل، ولكن هم ظلموا أنفسهم حيث اختاروا السبيل الذي أفضاهم إلى ذلك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ }.

كأنهم يقولون: يا مالك، سل ربك ليقض علينا بالموت، يفزعون أولا إلى المؤمنين وهو قولهم:أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [الأعراف: 50]، فلما أيسوا من ذلك يفزعون إلى الله تعالى يسألون الرجوع إلى المحنة؛ ليعملوا غير الذي عملوا بقولهم:رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } [فاطر: 37]، فلما أيسوا عن ذلك يفزعون إلى مالك؛ ليسأل ربه؛ ليقضي عليهم بالموت، فقال: { إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } ، وهو ما قال - عز وجل -:لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ... } الآية [فاطر: 36].

وقوله - عز وجل -: { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ } هذا على أثر ما ذكر؛ كقوله تعالى:إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [غافر: 51] على أثر قوله:أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ... } الآية [غافر: 50].

يحتمل أن يكون القولان جميعاً من الله تعالى، أعني: قوله تعالى: { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ } ، وقوله - تعالى -:إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [غافر: 51]، والله أعلم.

ويمكن أن يكون العذاب جميعه من الملائكة؛ إذ جائز إضافة الرسل إلى الملائكة؛ إذ هم رسل الناس رسولنا فعل كذا، والله أعلم.

ثم قوله: { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ }.

الحق: كل ما يحمد عليه [فاعله] ويحمد هو بما منه ذلك الفعل، والباطل: كل ما يذم عليه فاعله ويذم هو بما منه، والله أعلم.

السابقالتالي
2