الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } * { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } * { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } * { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ }.

في قولهم وجوابهم: أن الله خلق السماوات والأرض - دلالة أنهم قد عرفوا أنه رسول، لكن كذبوه عناداً ومكابرة؛ لأن أهل مكة كانوا لا يؤمنون بالرسل حتى يزعموا أنا عرفنا أن الله خلق السماوات والأرض بقولهم، وينكرون رسالته خاصة؛ بل ينكرون الرسل أجمع، ثم هم ما عرفوا أن الله هو خلق السماوات والأرض إلا بالرسل؛ إذ هم ليسوا من الذين عادتهم الاستدلال والنظر في الدلائل؛ ليعرفوا الله - تعالى - بالدلائل العقلية، والظاهر في العوام جملة المعرفة بالدلائل السمعية؛ فكان الظاهر هذا: أن معرفتهم: أن الله خلق السماوات والأرض بقول الرسل - عليهم السلام - لكنهم كذبوه ولم يصدقوه عناداً منهم ومكابرة، وما به عرفوا سائر الرسل من المعجزات موجود معاين في حق رسولنا صلى الله عليه وسلم لا بد أن يعرفوه رسولا، لكنهم كذبوه عناداً؛ فدل أن قولهم هذا دليل على معرفتهم برسالته، والله أعلم.

ثم تمام الاحتجاج بهذا أن يقال لهم: قد عرفتم أن الله هو خلق السماوات والأرض، فهلا عرفتم أنه لم يجعلهما عبثاً باطلا؛ إذ لو كان على ما يزعمون أن لا رسل ولا بعث ولا حساب ولا ثواب ولا عقاب يكون خلقه إياهما عبثاً باطلا، فكان إقرارهم بخلقه إياهما إقراراً لخلقه على وجه الحكمة؛ ولن يخرج خلقه على الحكمة إلا بالإقرار بالرسل والبعث والثواب والعقاب؛ على ما عرف غير مرة.

أو أن يقال: فإذا عرفتم أن الله - تعالى - هو خلق السماوات والأرض وما ذكر إلى آخره... فكيف أنكرتم قدرته على البعث والإعادة بعد الموت، والأعجوبة في خلق السماوات والأرض أعظم وأكثر من الأعجوبة في بعثكم وإعادتكم، فكيف أنكرتم ما هو أقل في القدرة والأعجوبة؟ والله الموفق.

وقوله - عز وجل -: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }.

جائز أن يكون ذكر هذا على سبيل النعت والوصف لله - تعالى - عز وجل - صلة لقوله: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } الذي وصفه أنه جعل الأرض كذا وأنزل كذا.

ويحتمل أن يكون أراد: ولئن سألتهم عن الأرض وما ذكر أنه من جعلها مهداً؟ ومن جعل لهم فيها سبلا؟ فقالوا: الله جعل ذلك على ما قالوا في السماوات والأرض.

وفيه وجوه من الدلالة:

أحدها: يذكرهم نعمه عليهم، حيث جعل هذه الأرض بحيث يمهدونها، ويفترشونها، وينتفعون بها بأنواع المنافع، وبحيث مكن لهم الوصول إلى حوائجهم التي فرقها في الأمكنة المتباعدة بما جعل لهم فيها سبلا وطرقاً يسلكون فيها ليصلوا إلى الحوائج التي فرقت في البلدان المتباعدة، ما لولا جعله فيها السبل والطرق التي جعل ما قدروا السلوك فيها، ولا عرفوا أنهم من أي جهة يصلون إلى حوائجهم التي فرقت؟ فيلزمهم بما ذكر القيام بشكره على تلك النعم.

السابقالتالي
2 3