الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ }

قوله - عز وجل -: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ }.

يقول: إن كان هذا القرآن من عند الله ثم كفرتم به، وجائز أن يكون على الابتداء ليس بجواب لقوله: { أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } ويكون كأن لم يذكر جواب { أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ }؛ لما عرفوا أن من عاند وعادى ما كان من عند الله أنه ما يعمل بهم وما يصنع؛ وهو كقوله تعالى:أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الصافات: 86-87] يُذْكر له جواب؛ لما عرفوا أن من تريدون عبدوا دون الله بعد معرفتهم أنه إفك وأنه كذب وليس بإله، أن الله ماذا يفعل بهم، فلم يُذْكر لهذا جواب؛ لمعرفتهم بما يُفعل بهم؛ فعلى ذلك قوله: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } يجوز أنْ لم يذكر له جواب؛ لما عرفوا أنه ما يفعل بهم وما يستوجبون منه بما عاندوه وعادَوْه بعد معرفتهم أنه من عند الله جاء ثم كفروا به، والله أعلم.

وإن كان موصولا فجوابه ما ذكر من قوله: { مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }؛ فيكون كأنه يقول - والله أعلم -: أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به، فإذا كفرتم ضللتم، فمن أضل ممن هو في شقاق بعيد؟!

أي: في خلاف وبعد؛ فيكون جوابه كأنه قال: لا أحد أضل ممن عرف أنه من عند الله ثم خالفه وتباعد عنه، على ما ذكرنا في قوله:وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } [الأنعام: 21] أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا؛ فعلى ذلك الأول، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ }.

اختلف فيه:

قال بعضهم: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا } أي نريهم عذابنا الذي نزل بالأمم المتقدمة في بلاد عاد وثمود وقوم لوط، كانوا يمرون عليها ويعرفون أنه لماذا نزل بهم ذلك وتكذيبهم الرسل وعنادهم، ونريهم عذابنا أيضاً في أنفسهم ببدر حيث قتل فراعنتهم يومئذ؛ { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ }؛ يقول: إن القرآن هو الحق من الله؛ لأن فيه الإخبار عن العذاب للذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم.

وقال بعضهم: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ } هو ظهور محمد صلى الله عليه وسلم على البلاد والقرى النائية وفتحها عليه، { وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } أي: فتح مكة وظهوره عليهم، على ما وعد له ربه - جل وعلا - من النصر له وفتح البلاد والقرى.

فيكون هذان التأويلان آية لرسالته ونبوته، والله أعلم.

ويحتمل قوله: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } آيات وحدانيته وألوهيته:

أما في الآفاق فما جعل منافع البلاد النائية والقرى المتباعدة متصلة بمنافع أنفسهم ومنافع البلاد القريبة، ومنافع السماء متصلة بمنافع الأرض على بعد ما بينهما؛ ليعلم أنه تدبير واحد وفعل فرد لا عدد، أو أن يكون آياته في الآفاق رفع السماء مع غلظها وكثافتها وسعتها بلا سبب ولا تعليق من أعلاها ولا عماد من أسفلها.

السابقالتالي
2