الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } * { فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله - عز وجل -: { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }.

كأنه يقول - والله أعلم -: إن الشمس والقمر آيتان من آيات ألوهيته تعالى ووحدانيته كالليل والنهار أنهما آيتان من آيات الله تعالى، فإذا لم تعبدوا الليل والنهار فكيف عبدتم الشمس والقمر؟! والله أعلم.

أو نقول: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى، سخرهما لمنافع الخلق كالليل والنهار مسخرات للخلق والمنافع التي جعل فيها للخلق إن لم يكن أكثر لم يكن دون منافع الشمس والقمر، فإذا لم تعبدوا الليل والنهار فكيف عبدتم هاتين؟! يذكر هذا لأن منهم من كان يعبد الشمس ومنهم من كان يعبد القمر ونحوه، يذكر سفههم بعبادة غير الله تعالى.

وقوله: { وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ }.

أي: اسجدوا لله الذي أنشأ هذه الأشياء وسخرها لكم.

{ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }.

أي: إن كنتم بعبادتكم هذه الأشياء تقصدون القربة عند الله تعالى، أو إن كنتم بعبادتكم هذه الأشياء إياه تريدون؛ لأنهم كانوا يعبدون هذه الأشياء دون الله تعالى رجاء القربة عنده والزلفى لقولهم:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3] يقول: إن كنتم إياه تقصدون بعبادة هذه الأشياء فاسجدوا له واعبدوا؛ لما أمركم بالسجود له والعبادة، والله الموفق.

وقوله: { فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ }.

قد ذكرنا فيما تقدم أن لا أحد يقصد قصد الاستكبار على الله تعالى. ثم يخرج هذا على وجهين:

أحدهما: أنهم قد أمروا بطاعة الرسل - عليهم السلام - فاستكبروا عن الائتمار لهم لما دعوهم إليه؛ فيصير استكبارهم عليه كالاستكبار على الله تعالى.

والثاني: لما تركوا عبادة الله تعالى وجعل في أنفسهم دلالة العبادة لله تعالى؛ فإذا تركوا العبادة لله تعالى فقد تركوا الائتمار بأمره، لم يعتقدوا الائتمار لذلك الأمر فيكون استكباراً عليه، والله أعلم.

وقوله: { فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ }.

يقول - والله أعلم -: فإن استكبر هؤلاء على عبادة الله تعالى فأوحشك ذلك، فاذكر عبادة من عنده من الملائكة بالليل والنهار حتى تستأنس بذلك، والله أعلم. وهو كقوله:وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ } [الأنعام: 10] كان يستوحش باستهزائهم به؛ فذكر له استهزاء أولئك بإخوانه لِيَقِلَّ ذلك فيه؛ لما علم أنه ليس أول من استهزئ به، فهذا مثله.

والثاني: فإن استكبر هؤلاء على عبادة الله وقد عبدوا الملائكة والأصنام وغيرهم، فالذين هم عند ربك ممن عندهم هؤلاء لم يستكبروا؛ بل هم مسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون، وهو كقوله - تعالى -:أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ } الآية [الإسراء: 57]؛ وكقوله - تعالى -:

السابقالتالي
2