الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } * { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله - عز وجل -: { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ }.

قيل: و " لا " الأخير هاهنا زائدة كأنه قال: ولا تستوي الحسنة والسيئة، وقد يزاد حرف " لا " في الكلام وقد ينقص؛ فعلى ذلك هذا.

ثم جائز أن يكون قوله: { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } ، وقوله: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } كل واحد منها موصولاً بالآخر، يقول: لا تستوي الحسنة، وجائز أن يكون كل واحد منها مقطوعاً من الآخر على الابتداء، فإن كان أحدهما موصولا بالآخر يقول: لا تستوي الحسنة والسيئة في جلب حب القلوب واللين والعطف لها؛ بل الحسنة تجلب حب القلوب والميل إليها لا السيئة.

{ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي: ادفع بالحسنة دون السيئة؛ وهو كقوله:فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ... } الآية [آل عمران: 159]؛ فعلى ذلك يقول هاهنا أنْ: لا تستوي الحسنة والسيئة في الطاعة والميل وجلب حب القلوب، بل هما مختلفان مفترقان فادفع سيئتهم بالحسنة، والله أعلم.

وجائز أن يكونا جميعاً على الابتداء لا اتصال لأحدهما بالآخر، فإن كان الابتداء فمعناه - والله أعلم -: أنكم تعلمون بعقولكم أن لا استواء بين الحسنة والسيئة ولا بين المحسن والمسيء، وكذا لا استواء بينهما في الحكمة، وقد رأيتم أنهما قد استويا في هذه الدنيا في جميع منافعها ولذاتها، وجمع بينهما في هذه، وفي الحكمة والعقول التفريق بينهما، دل أن هنالك دارا أخرى يفرق بينهما في الجزاء والثواب فيهما - والله أعلم - وهو ما ذكر في آية أخرى:أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [القلم: 35-36]، وقوله:أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [ص: 28] أي: لا نجعل هذا كهذا في هذه الحياة الدنيا؛ فدل ذلك على أن هناك دارا أخرى فيها يقع ذلك التمييز والتفريق، فعلى ذلك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }.

صرف عامة أهل التأويل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبي جهل - لعنه الله - أنه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدفع سيئة أبي جهل بالحسنة، لكن هذا لا يحتمل؛ لأنه لم يذكر أن أبا جهل صار لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر حيث قال: { فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } ، بل دامت عداوته إياه إلى أن خرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأغرى الناس عليه، فرجع ذلك الإغراء إليه فقتل في ذلك اليوم؛ فدل أنه لا وجه لصرف الآية إلى هذا.

السابقالتالي
2