الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } * { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } * { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ }.

روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية قال: " أمتي أمتي؛ لأن اليهود قالوا: ربنا الله، ثم قالوا: عزير ابن الله، وأن النصارى قالوا: ربنا الله، ثم قالوا: المسيح ابن الله، وأن أمتي قالوا: ربنا الله، ولم يشركوا به أحداً " ، وكذلك روي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } قال: " هم الذين لم يشركوا بالله شيئاً " فإن ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر - رضي الله عنه - فهو تفسير الاستقامة التي ذكر، والله أعلم.

وقال بعضهم: أي قالوا ربنا الله، ثم استقاموا في إخلاص العمل له والقيام بذلك.

وقال بعضهم: ثم استقاموا على أداء الفرائض والشرائع والحدود.

وقيل: ثم استقاموا في الطاعات له.

والاستقامة وجوه ثلاثة:

أحدها: في الاعتقاد، اعتقدوا ألا يعصوه ويجتنبوا جميع ما يخالف أمره ونهيه.

والثاني: استقاموا في اجتناب جميع ما يخالف ما أعطوا بلسانهم: أنه ربنا الله، وقاموا بوفاء ما أعطوا بلسانهم قولا وفعلا.

والثالث: قاموا في جميع الأعمال مخلصين لله تعالى لم يشركوا فيها أحداً لأحد فيها نصيباً من المراءاة غيرها، بل خالصاً لله تعالى سالماً، والله أعلم بما أراد بذلك.

وقوله: { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ }:

اختلف فيه:

قال بعضهم: ذلك عند قبضهم الأرواح في الدنيا يبشر لهم بما ذكر.

وقال بعضهم: تقول لهم الملائكة يوم القيامة عند معاينتهم الأهوال والأفزاع؛ ليسكن بذلك قلوبهم عند تلك الأهوال والشدائد، والله أعلم.

ثم اختلف في قوله: { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } أي: لا تخافوا ما أمامكم ولا تحزنوا على ما خلفتم من الأهل والأولاد.

وقيل: لا تخافوا ما تقدمون عليه من الموت وأمر الآخرة، ولا تحزنوا على ما خلفتم من أهل أو دين.

وقال بعضهم: لا تخافوا من العذاب ولا تحزنوا على فوت ما وعدتم من النعيم؛ فإنها دائمة لا يفوت ولا ينقطع أبداً.

وقوله - عز وجل -: { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }.

على ألسن الأنبياء والرسل - عليهم السلام - فمن قال: إن البشارة التي ذكر في الدنيا عند قبض الأرواح، فلما ذكر في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " ؛ لأن المؤمن يُرَى له الجنة ويبشر بها في ذلك الوقت؛ فيصير الدنيا له سجناً لما عاين مما هُيِّئ له وجعل له من الثواب، والكافر لما رأى له مكانه في النار أو بشر به صارت له الدنيا جنة؛ وعلى ذلك يخرج قوله - عليه السلام -:

السابقالتالي
2 3