الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } * { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } * { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ }

قوله: { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ }.

كقوله:وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً... } الآية [الزخرف: 36].

ثم اختلف في قوله: { وَقَيَّضْنَا }.

قال بعضهم: هيأنا لهم في الدنيا قوماً من الشياطين وغيرهم.

وقال بعضهم: أي: مكنا للشياطين حتى يقذفوا في قلوبهم من الوساوس وغيرها أو كلام نحوه.

وقال بعضهم: أي: خلينا بينهم وبين الشياطين حتى عملوا بهم ما ذكر.

وقوله: { فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } ، اختلف في قوله: { مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ }؛ قال بعضهم: { فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } أي: حسنوا لهم التكذيب بالآخرة والحساب والثواب والعقاب، أن ليس ذلك.

وقوله: { وَمَا خَلْفَهُمْ } ، أي: حسنوا لهم أمر الدنيا وأنها دائمة باقية.

وقيل: { مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } ، أي: ما عملوا، { وَمَا خَلْفَهُمْ } أي: وما يريدون أن يعملوا من بعد.

والثالث: { مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ }: ما عملوا بأنفسهم، { وَمَا خَلْفَهُمْ } ما سنوا لغيرهم من بعدهم، كقوله تعالى:عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } [الانفطار: 5]، والله أعلم.

وقوله: { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ }.

يحتمل: وجب عليهم القول بالعذاب أو السخط.

وقوله: { فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ }.

أي: مع أمم، وذلك جائز.

وقوله: { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ } أي: من قبل هؤلاء من الإنس والجن من الأمم الخالية { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ }.

وقوله - عز وجل -: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ }.

أي: لا تسمعوا أنتم بأنفسكم والغوا فيه؛ لئلا يسمع منه قراءته ولا صوته، دل هذا القول على أنهم قد عرفوا أنه حجة، وأنه من عند الله جاء، وأن من سمع ذلك أذعن له وأطاع إذا لم يكابر عقله؛ ولهذا قالوا: { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ }؛ لئلا يذعن [له] ولا يطاع { لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }.

وقال بعضهم: قوله: { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } بالمكاء والتصدية، وكانوا يفعلون ذلك؛ ليخلطوا عليه صلاته وقراءته لعلكم بالمكاء والتصدية لقولهم:وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } [الأنفال: 35].

وقوله: { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.

أي: يذيقن الذين كفروا وداموا على الكفر حتى ماتوا على ذلك، فأما من كفر في وقت ثم ترك ذلك، وأسلم، فليس له ذلك.

ثم من الناس من يقول: إن قوله: { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً } أراد به في الدنيا، وقوله: { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، في الآخرة، يجعل أحد العذابين في الدنيا و[الآخر] في الآخرة.

وجائز أن يكون كله في الآخرة.

ثم دل قوله: { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي: لهم محاسن في الدنيا، لكن تلك المحاسن تبطل ولا يجزون بها شيئاً، وإنما يجزون على المساوئ التي عملوها في الدنيا؛ لأن المحاسن إنما تثبت وتبقى ويستوجب بها الجزاء إذا أتوا بالإيمان والتوحيد، فأما إذا لم يأتوا به لم ينتفعوا بتلك المحاسن، ولم يجزوا بها، وقد ذكر للمؤمنين مقابل ذلك: أن يكفر عنهم سيئاتهم ويجزوا بأحسن ما كانوا يعملون، وهو قوله:

السابقالتالي
2