الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } * { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } * { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } * { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ }

قوله - عز وجل -: { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }.

تأويل هذه الآية كما ذكرنا في قوله تعالى:كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ... } الآية [البقرة: 28]، وهو يخرج على وجوه:

أحدها: كيف تنكرون وحدانيته وتكفرونه، وهو الذي أحياكم لا الأصنام التي تعبدونها؟!

والثاني: تنكرون قدرة الله في البعث، وقد رأيتم قدرته في ابتدائه إنشاءكم وتقليبكم من حال إلى حال؟!

والثالث: كيف تكفرون رسوله وقد خلقكم الله تعالى وامتحنكم بأنواع المحن، وكلفكم وأمركم بأوامر ونواهٍ ما لو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكنكم القيام بأكثرها وكان خلقه إياكم عبثاً؟! فعلى هذه الوجوه يخرج قوله: { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } الآية، أي: أئنكم لتكفرون وحدانية الله تعالى وقد خلق الأرض في يومين وما ذكر.

والثاني: إنكم لتكفرون وتنكرون قدرته على البعث وقد خلق الأرض في يومين على بعد أطرافها وسعتها، فكيف تنكرون قدرته على البعث وقد رأيتم قدرته على خلق ما ذكر؟!

والثالث: أئنكم لتكفرون نعمة الله التي أنعمها عليكم من خلق ما ذكر من الأرض وغيرها وما أنعم عليكم من بعث الرسول، فكيف تصرفون شكرها إلى الذي لم يفعل ذلك بكم وتنكرون رسالة رسوله، ولا بد من رسول يرسل إليكم، وذلك من أعظم النعم وأجلها؟! فيخرج تأويل الآية على هذه الوجوه التي ذكرنا:

أحدها: في إنكار وحدانية الله وألوهيته.

والثاني: إنكار قدرته على البعث.

والثالث: في إنكارهم رسالة الرسول، وصرفهم شكر نعمه إلى غيره بعبادتهم غير الله.

ثم الحكمة في خلق الأرض وجعله الحد الذي ذكر يومين، وإن كان قادراً على خلق كل شيء بلا تحديد ولا توقيت - فقال بعضهم: فيه تعريفه الخلق والتعليم لهم الأناة - أي: التأني في الأمور وترك الاستعجال فيها.

والأصل في ذلك عندنا: أن الله - جل وعلا - جعل أمر الدنيا وأمر هذا العالم على التحديد والتقليب من حال إلى حال نحو ما ذكر من تقليبه وتغييره من حال النطفة إلى حال العلقة، ومن حال العلقة إلى حال المضغة، ومن حال المضغة إلى حال تركيب الجوارح ثم إلى حال الإنسان، ثم من تلك الحال إلى أن يكبر يقلبه من حال إلى حال أخرى؛ وكذلك أمر الدنيا وما فيها من الفواكه والنبات وغير ذلك ينشئها ويحدثها في كل عام، وإن كان لو شاء أحدثها في عام واحد وأبقاها إلى آخر الأبد، لكن لم يفعل ذلك؛ لما بنى أمر هذ العالم على الفناء والفساد؛ فيستدل بطريان هذه الأحوال عليها على أصل الوضع؛ ولذلك ركب فيهم المرض والسقم والسلامة والصحة، وبنى أمر الآخرة على البقاء والدوام؛ فعلى ذلك من التحديد والتوقيت في خلق الأرض.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8