الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ } * { فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } * { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ }

قوله - عز وجل -: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ }.

قوله: { أَلَمْ تَرَ } هو على حقيقة الرؤية والنظر.

ويحتمل { أَلَمْ تَرَ }: ألم تعلم، معناه: ألم تعلم سفه الذين يجادلون في آيات الله، أو جهل الذين يجادلون في آيات الله، أي: في دفع آيات الله والطعن فيها بلا حجة على ما تقدم ذكره في قوله:يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } [غافر: 35] فعلى ذلك هذا.

وقوله - عز وجل -: { أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ }.

أي: آية، أي: حجة تصرفهم أو صرفتهم عن آيات الله، أو من أين يصرفون ويعرضون عن آيات الله بعد ما تقرر عندهم أنها آيات الله؟! والله أعلم.

وقوله: { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا }.

جائز أن يكون قوله: { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } تفسير مجادلتهم التي ذكر في دفع آيات الله.

وجائز أن يكون قوله: { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ }: الذي آتاهم الرسل وكذبوا بما أرسلنا به رسلنا، أي: كذبوا - أيضاً - بما أمرهم الرسل بالوحي من غير كتاب؛ إذ الوحي نوعان: متلو، وغير متلو، فلم يكن قوله: { وَبِمَآ أَرْسَلْنَا } تفسيراً للكتاب، وعلى التأويل الأول قوله: { وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } أي: الكتاب؛ فيكون تفسيراً له، والله أعلم.

وقوله: { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }.

وعيد لهم، أي: سوف يعلمون علم عيان بعدما علموا علم خبر، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي ٱلْحَمِيم }.

ذكر أن في السلاسل ثلاث لغات: الرفع والنصب والخفض.

فمن رفعها يقول: معناه: إذ جعل الأغلال والسلاسل في أعناقهم يسحبون بها في الحميم.

ومن قال بالخفض فتأويله: إذ الأغلال في أعناقهم وفي السلاسل، أي: يجعل الأغلال في السلاسل، فيسحبون بها في الحميم.

ومن قال بالنصب كأنه قرأه: { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسلَ يسحبون * في الحميم } أي: يسحبون السلاسل في الحميم.

وقوله: { يُسْحَبُونَ } أي: يجرون، والحميم: قد مر تأويله، وهو ما يشرب منه [و]قد انتهى حره غايته.

وقوله: { ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } أي: يوقدون، ذكر ما يسقون فيها وهو الحميم، وذكر ما يحرقون به.

قال أبو عوسجة: { يُسْحَبُونَ } أي: يجرون، وصرفه: [أسحب]، يسحب إسحاباً، أي: جرّاً.

وقوله: { يُسْجَرُونَ } أي: يوقدون بهم، يقال: سجرت، أي: أوقدت فيه، وصرفه: سجر يسجر سجراً.

وقوله: { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ }.

ظاهر هذه الآية: أن هذا القول لهم بعدما دخلوا النار؛ لأنه ذكر على أثر قوله: { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } ، فظاهرها أن قوله: { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } بعد دخولهم النار، وظاهر قوله بعد هذا متصلا به: { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } - على أن ذلك القول إنما يقال لهم قبل أن يدخلوا النار.

السابقالتالي
2