الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { هُوَ ٱلْحَيُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ... } الآية.

نزلت في أهل التوحيد يقول: { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ، ثم تخرج على الاستغفار مرة؛ لما كان منهم من التضييع في حقوق الله تعالى وما أمرهم به ونهاهم عنه والتفريط في ذلك، استغفروا أغفر لكم.

ويحتمل { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ }: اطلبوا مني التوبة عن ذلك أتوب عليكم، والله أعلم. وإن كانت الآية في أهل الكفر فيكون قوله: { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ، أي: وحدوني أغفر لكم.

ويحتمل اعبدوني أغفر لكم؛ وهو كقوله:إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [الأنفال: 38]، وقد جاء في بعض الأخبار عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ... } " ، وفي بعض الأخبار: " الدعاء مخ العبادة " ، وأصل هذا: أنه ينظر كل أحد إلى ما ارتكبه، فإن كان سببا يستوجب به العقوبة كان استغفاره القيام بقضاء ما تركه وضيعه، والعزم على ألا يعود إلى ذلك أبداً، وإن كان سبباً غير معروف، تركه [و]يستغفر الله تعالى في ذلك، ويطلب منه التجاوز والمغفرة، وأصل ذلك ما قال الله تعالى:وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } [البقرة: 40].

وقوله - عز وجل -:فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي } [البقرة: 186].

ذكر الإجابة بالشريطة، وهو أنهم إذا آمنوا به وأوفوا عهده يعرف لهم ذلك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }.

استدل بعض الناس بهذه الآية على أن قوله: { ٱدْعُونِيۤ } إنما أراد به العبادة على ما ذكرنا.

فإن قيل: إن هذه السورة نزلت بمكة، وأهل مكة كانوا يقولون:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3]، وفي ظاهر ذلك أنهم لا يستكبرون عن عبادته، لكنهم لم يروا أنفسهم أهلا لعبادة الله فعبدوا غيره دونه، كمن يعظم ويخدم خادما من خدم ملك من ملوك الدنيا لا يكون مستكبراً عن خدمة الملك.

لكن تأويل الآية يخرج على وجهين:

أحدهما: أن الله تعالى أمر عباده بطاعة رسوله والإجابة له إلى ما يدعوهم، فإذا لم يجيبوه إلى ما يدعوهم إليه ولم يطيعوه استكبارا منهم وتكبرا عليه، صار ذلك منهم كالاستكبار عن طاعة الله وعن عبادته.

والثاني: أنهم وإن كانوا عبدوا الأصنام رجاء أن تقربهم إلى الله زلفى، ولم يقصدوا قصد الاستكبار عن عبادته فهم تركوا عبادته، مع أنهم أمروا بها وبلغ إليهم أمره على ألسن الرسل، فكأنهم استكبروا عن عبادة الله تعالى؛ إذ في الشاهد يخدم المرء لبعض خواص الملك ليقربه إليه: إذا أمره الملك أن يخدمه وقربه إلى مجلسه فامتنع - يقدر ذلك منه استكبارا، ويبين أن خدمته لذلك ما كان ليقربه إلى الملك؛ حيث قربه فلم يقرب، ففي الغائب كذلك؛ لذلك كان استكبارا منهم، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3