الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } * { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ }.

قال عامة أهل التأويل: إن اليهود جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال أنه منهم، وأنه في الطول كذا ونحوه؛ وعلى ذلك نسق الآيات التي تتلو هذه الآية.

ولكن لسنا ندري بماذا صرفوا مجادلتهم في آيات الله إلى المجادلة في الدجال، ولا يسع أن نحمل ما ذكر من مجادلتهم في آيات الله على المجادلة في الدجال، إلا أن يثبت خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق التواتر أن المجادلة المذكورة في الآية في الدجال؛ فحينئذ يصرف إلى ذلك، والله أعلم.

ثم قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ } أي: يجادلون في دفع آيات الله بغير حجة أتتهم من الله، وكانت المجادلة في دفع آيات الله من رؤساء الكفرة وأكابرهم، كانوا يموهون بمجادلتهم في دفع آيات الله تعالى والطعن فيها على أتباعهم وسفلتهم؛ ليبقى لهم الرياسة والمأكلة التي كانت لهم، وهو ما ذكر:وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ... } الآية [الأنعام: 112]،وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } [الأنعام: 123] وغير ذلك من الآيات، لم يزل الأكابر منهم والرؤساء يطعنون في آيات الله تعالى ويدفعونها، يريدون التمويه والتلبيس على أتباعهم وسفلتهم، ليبقى لهم العز والشرف الذي كان لهم، ويبطلوا به الحق، ويطفئوا نوره؛ كقوله - عز وجل -:لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } [الكهف: 56]، وقوله - تعالى -:يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ } [التوبة: 32] هذا كان مرادهم من مجادلتهم في آيات الله والطعن فيها.

ثم أخبر - عز وجل - أنهم يجادلون، ويفعلون ذلك؛ تكبراً منهم على آيات الله والخضوع لرسله، حيث قال - عز وجل -: { إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ }.

أي: ما في صدورهم إلا كبر، أي: كبرهم هو الذي حملهم على المجادلة في آيات الله، ثم الذي حملهم على الكبر جهلهم بسبب العز والشرف، ظنوا أن العز والشرف إنما يكون بالأتباع الذين يصدرون عن آرائهم، ولو عرفوا منهم يكون العز والشرف، لكانوا لا يفعلون ذلك، إنما العز والشرف في طاعة الله تعالى واتباع أمره، ليس في اتباع من اتبعهم ولا في ائتمار من ائتمرهم، ولكن فيما ذكرنا، والله أعلم.

ثم أخبر أنهم ليسوا ببالغين إلى ما قصدوا من إطفاء النور الذي أعطى المؤمنين، ولا إدحاض الحق وإبطاله حيث قال - عز وجل -: { مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ } ، وقوله:وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } [التوبة: 32].

وقوله - عز وجل -: { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }.

قال عامة أهل التأويل: أمره أن يستعيذ بالله من فتنة الدجال، لكن عندنا: أمره أن يتعوذ بالله من مكائد أولئك الأكابر والفراعنة، قد هموا أن يمكروا به ويكيدوا، أمره أن يتعوذ بالله من مكرهم وكيدهم، كما أمره أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حيث قال:

السابقالتالي
2 3