الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } * { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } * { هُدًى وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }.

يحتمل ما ذكر من النصر للرسل والمؤمنين وجوهاً:

أحدها: أن ينصرهم في الدنيا بالحجج والآيات التي أعطاهم في الدين حتى يدفع بها تسويلات الشيطان وتمويهات السحرة وتغلبها وتعلو على كل هذا في الدنيا، وفي الآخرة أيضاً ينصرهم بما يشهد لهم عليهم الملائكة والجوارح بالتكذيب للرسل والمؤمنين، وأنهم دعوهم إلى التوحيد والإيمان، لكنهم كذبوهم وكفروا بما دعوهم إليه، فذلك نصره إياهم في الدنيا والآخرة، والله أعلم.

والثاني: ينصرهم؛ لما يجعل لهم العواقب وآخر الأمر وإن كان في الابتداء قد يكون عليهم، وعلى ذلك لم يذكر عن أحد من الرسل إلا وقد كان عاقبة الأمر له؛ وهو كقوله - تعالى -:وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف: 128]؛ فهذا النصر هو النصر في الأبدان والأول هو نصر في الدين، ولكن إن كان هو نصرا في الأبدان فهو نصر يرجع إلى الدين؛ لما يقوم الدين بسلامة الأبدان، ويتحقق به عز المسلمين، والله الموفق.

والثالث: ذكر نصرهم؛ لما أعطاهم من النعمة في الدنيا والسعة فيها، وهو يذكر للرسل والمؤمنين نصرا ونعمة ومعونة، أما هي للكفرة فتنة ومحنة لا غير لا تذكر باسم النصر والنعمة؛ إذ هي في حق المسلمين وسيلة إلى النعمة الأبدية، وفي حق الكفرة إلى العذاب الأبدي، فتكون نعمة في حقهم حقيقة؛ ولذلك قال تعالى:الۤـمۤ * أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 1-2]، وقال:بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ } [الزمر: 49]، وقوله:نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } [المؤمنون: 56]، وقد أخبر أن ما أعطاهم من الأموال والسعة إنما هي فتنة ومحنة لهم، والله أعلم.

فإن قيل: ذكر أنه ينصرهم، وقد نرى مؤمناً قد ينقطع حججه ويعجز عن إقامتها ونراه مغلوباً، والكافر هو الغالب؟!

قيل: عن هذا جوابان:

أحدهما: من جعل العاقبة له والغلبة والنصر في آخر الأمر.

والثاني: جائز أن يكون وعده النصر لهم والظفر بالحجة بالشريطة، وهي القيام بوفاء ما لله عليهم من الحق في ذلك، فالنصر والظفر بالحجة في المناظرة أن يكون يزجى عمره في معرفة الحجج والدلائل وأن يكون عارفاً بطرق النظر، ومتى كان هذا الشرط موجوداً يكون النصر له لا محالة، وشرط الظفر في المحاربة أن يكونوا قاصدين إعزاز دين الله تعالى، دون ابتغاء الدنيا وكلمتهم واحدة ونحوها، ومتى كان المحاربة بشرائطها يكون الظفر لا محالة للمسلمين؛ وذلك كقوله تعالى:وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } [البقرة: 40]، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ }.

قال بعضهم: الأشهاد: هم الملائكة يكتبون أعمال بني آدم، يشهدون عليهم بما عملوا من الأعمال.

السابقالتالي
2 3