الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ فَرْعَوْنُ يٰهَامَانُ ٱبْنِ لِي صَرْحاً لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ } * { أَسْبَابَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ } * { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ } * { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } * { مَنْ عَمِـلَ سَـيِّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مِّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ } * { تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } * { فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } * { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ }

قوله - عز وجل -: { وَقَالَ فَرْعَوْنُ يٰهَامَانُ ٱبْنِ لِي صَرْحاً لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ * أَسْبَابَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ }.

للمشبهة تعلق بظاهر هذه الآية يقولون: لولا أن موسى - عليه السلام - كان ذكر وأخبر فرعون: أن الإله في السماء، وإلا لما أمر فرعون هامان أن يبني له ما يصعد به إلى السماء ويطلع إلى إله موسى على ما قال تعالى خبراً عن اللعين.

لكنا نقول: لا حجة لهم؛ فإنه جائز أن يكون هذا من بعض التمويهات التي كانت منه على قومه في أمر موسى - عليه السلام - ومن بعض مكائده التي كانت منه به؛ من نحو قوله:سَاحِرٌ كَذَّابٌ } [ص: 4]، وقوله:إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } [طه: 71]، وقوله:يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } [الشعراء: 35] ونحو ذلك من التمويهات التي كانت منه؛ فعلى ذلك قوله: { ٱبْنِ لِي صَرْحاً... } و { فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } تمويه منه على قومه بموسى؛ يقول: إن موسى إنما يدعو إلى إله في السماء فهو نحو إله يكون في الأرض، يموه بذلك على الناس أمر موسى من غير أن كان من موسى ذكر، أو أخبر أن الله - تعالى - في السماء على ما كان منه سائر التمويهات وإن لم يكن من موسى ذكر تلك التمويهات له، والله أعلم.

ويحتمل أن فرعون قال ذلك؛ لما رأى أن البركات والخيرات تنزل من السماء؛ فظن أنه في السماء.

ثم اختلف في الأسباب: قال بعضهم: أسباب السماوات: أبوابها.

ويحتمل أسباب السماوات: هي الطرق التي تصعد إلى السماء.

وحقيقة الأسباب: هي ما يوصل بها إلى الأشياء ويقصد إليها، وقد علم اللعين أنه لا يصل إلى ذلك بما ذكر من بناء الصرح، لكنه أراد بذلك ما ذكرنا من التمويهات والتلبيس على قومه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً }.

قال هاهنا: { لأَظُنُّهُ كَاذِباً } بعدما قطع القول فيه: إنه كاذب وإنه كذاب؛ ليعلم أنه على [حق] وأنه صادق، لكنه يموه بذلك على قومه.

وقوله: { وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ }.

قال بعضهم: أي: زين الشيطان عليه سوء عمله.

ويحتمل أن يقال: زين له سوء عمله بالأتباع وكثرة الأموال والحشم الذي أعطي له، زين له سوء عمله بالأسباب التي أعطيت له، فيكون الله تعالى مزيناً له سوء عمله بإعطاء الأسباب.

ويحتمل زين له سوء عمله، أي: خلق في طبعه أن يرى ذلك حسنا مزيناً وإن كان قبيحاً في نفسه حقيقة على ما تقدم ذكره.

وقوله: { وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ }.

وقرئ: { صَد } بالفتح، فمن قرأ بالفتح فله معنيان:

أحدهما: صد هو بنفسه صدوداً، والثاني: صد هو الناس عن سبيله صدّاً.

السابقالتالي
2 3 4 5