الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } * { يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } * { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } * { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } * { وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } * { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } * { ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }

قوله - عز وجل -: { رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ }.

هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: من آل فرعون في الظاهر، وإلا لم يكن في الحقيقة من آله، وإنما هو من آل موسى وأتباعه؛ حيث آمن به وترك اتباع فرعون، والله أعلم.

والثاني: من آله، أي: من نسبه؛ لأنه ذكر أنه كان ابن عمه، والله أعلم.

وقوله: { يَكْتُمُ إِيمَانَهُ }.

إشفاقاً على نفسه، ولا يظهر الموافقة لهم على ما هم فيه؛ إذ قدر على الكتمان دون إظهار الموافقة لهم، وعلى ذلك المكره على إظهار الكفر إذا قدر على ألا يظهر ما أريد منه من كلمة الكفر ولا يقتل بالامتناع لا يسع له إظهار ذلك لهم، فإن لم يقدر فحينئذ يسع؛ فعلى ذلك ما ذكرنا، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ }.

فيه إخبار أنه كان يكتم إيمانه؛ إشفاقاً على نفسه، فلما خاف إهلاك رسول الله موسى - عليه السلام - فعند ذلك أظهر ما كان يكتمه وإن كان في إظهار ذلك إهلاك نفسه بعد أن يرجو نجاة نبي من الأنبياء - عليهم السلام - وهكذا يجب ألا يسع كتمان ما كان يكتمه وإن كان نفسه تهلك إذا أظهر إذا كان في إظهار ذلك نجاة رسول من رسل الله تعالى - عليهم السلام - بحجج يدفع الهلاك بها عن نفس ذلك الرسول؛ وكذلك ذكر عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أن أهل مكة لما هموا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإهلاكه، ألقى أبو بكر - رضي الله عنه - نفسه عليه، وقال ما قال ذلك الرجل الذي كان يكتم إيمانه حيث قال: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ } فعند ذلك نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن نزلت قبل ذلك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ }.

أي: جاءكم من البينات ما يبين أنها آيات من عند الله لا اختراعاً من موسى - عليه السلام - ويبين أنه صادق فيما يقول ويدعي.

وقوله: { وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ }.

أي: وإن كان كاذباً فيما يدعوكم إليه فعليه كذبه، وإن كان صادقاً فيما يقول ويدعي يصيبكم بعض الذي يعدكم، فهو يعلم أنه صادق فيما يقول حقيقة، ولكن لما كان عند القوم احتمل الأمر، ذكر على ما في زعمهم؛ دفعاً للقتل عن موسى، عليه السلام.

ثم الإشكال أنه قال: { يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ } ذكر أنه يصيبهم بعض الذي يعد الرسل، [والرسل] إذا وعدوا شيئاً يصيبهم بكماله، لا يجوز أن يكون خلاف ما أخبروا أو دون ما ذكروا، لكن يخرج على وجوه:

أحدها: أنه كان وعده إياهم أن يصيبهم العذاب في الدنيا والآخرة، فيقول: { يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ } ، وهو ما وعد لهم أن يصيبهم في الدنيا، وأما ما وعد لهم في الآخرة، فهو يصيبهم في وقت آخر وهو في الآخرة، فما أصابهم في الدنيا فهو بعض ما جرى الوعيد منه لهم؛ لأن الوعيد كان منه في الدنيا والآخرة، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6