الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } * { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ }

قوله - عز وجل -: { حـمۤ }.

قال بعضهم: هو هجاء أسماء الرب جل وعلا؛ وهو قول ابن عباس، رضي الله عنهما.

وقال بعضهم: فواتح السور كلها، وكذلك قال في سائر الحروف المقطعة.

وقال بعضهم: أصله { حـمۤ } أي: قضى، كقول الشاعر:
ألست ترى أن الذي حم كائن   
أي: الذي قضى كائن، إلا أنه ذكره بالهجاء كمن ذكر زيدا بالهجاء.

وقد قلنا نحن: إن تفسير الحروف المقطعة ما ذكر على أثرها، وقد ذكرنا أقاويل الناس واختلافهم فيها في غير موضع ما أغنانا عن ذكرها في هذا الموضع، والله أعلم.

وقوله: { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }.

قد ذكرنا قوله: { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ } في سورة الزمر، غير أنه ذكر العزيز الحكيم وهاهنا ذكر العزيز العليم وهما واحد، والله أعلم.

وقوله: { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } ، يخرج على وجهين:

أحدهما: { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } أي: متجاوز الذنب، وهو في حق المؤمنين خاصة.

والثاني: { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } أي: ساتر الذنب، وهو يحتمل للكافر والمؤمن جميعاً؛ فإنه يستر كثيراً على المؤمن والكافر جميعاً الذنب في الدنيا، ولم يفضحهما، ويتجاوز عن المؤمن خاصة في الآخرة، والله الموفق.

وقوله - عز وجل -: { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ }.

يخبر أنه يقبل التوبة وإن عظمت المعصية، وجلت الذنوب وكثرت، والله أعلم.

قال أبو عوسجة: التوب: جماعة التوبة.

وقوله: { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ }.

أي: لمن لم يتب.

وقوله: { ذِي ٱلطَّوْلِ }.

قال أبو عوسجة: أي: ذي القدرة.

وقال القتبي: ذي التفضل، يقال: طُلْ عليَّ برحمتك، أي: تفضل.

وقيل: ذي السعة والغناء.

وقيل: ذي النعم؛ وكله قريب بعضه من بعض.

وقوله: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }.

وحَّد نفسه، وأخبر أن مصير الخلق إليه في الآخرة فيجزيهم بأعمالهم، والله أعلم.

وقوله: { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }.

أي: يجادل في دفع آيات الله والطعن في آيات الله الذين كفروا بالله أو كفروا بآيات الله، وكانت مجادلتهم ما ذكر حيث قال: { لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } أي: يبطلوا به الحق، أهل الكفر هم الذين كانوا يجادلون في دفع آيات الله والطعن فيها، فأما أهل الإيمان بها كانوا يفرحون بنزولها ويزدادون بذلك إيماناً؛ كما قال تعالى:وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } [الرعد: 36] وكقوله:وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً } [الأنفال: 2]، ونحو ذلك من الآيات، كانوا يستسلمون لها ويقبلونها، ويستقبلون لها بالتعظيم والتبجيل، وبالله التوفيق.

وقوله - عز وجل -: { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ }. معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغره تقلبهم في البلاد، لكنه ذكر الخطاب له، وأراد به غيره؛ لما يحتمل أن يظن قوم أن أهل الكفر لما كانوا فيه من التقلب في البلاد والسعة في عيشهم وأن أهل الإيمان في ضيق وشدة وخوف - أن أولئك على الحق وهؤلاء على الباطل، فجائز أن يظن ظان ما ذكرنا، فأخبر الله - عز وجل - أن الأمن والسعة، ليس بدليل على كون صاحبه على الحق، ولا الضيق والشدة بدليل على كون صاحبه على الباطل، ولكن محنة: امتحنهم مرة بالسعة والأمن، ومرة بالضيق والخوف؛ دليل ذلك: وجود الحالين جميعاً في كل فريق مع اختلاف مذاهبهم، وتضاد أقاويلهم.

السابقالتالي
2