الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

وقوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ... } الآية.

قيل: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى دار الحرب، فسمعوا سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تريدهم؛ فهربوا، وأقام رجل؛ لإسلامه؛ فلما رأى الخيل خاف أن يكونوا من العدو من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فألجأ غنمه إلى [كهف]، ثم قام دونها، فسمع التكبير؛ فهبط إليهم وهو يقول: لا إله إلا الله، فأتاه رجل من هؤلاء، فقتله واستاق غنمه وما معه، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَقَتَلْتُمُوهُ؛ إِرَادَةَ مَا مَعَهُ، وهُوَ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟! " فقالوا: إنه قال [ذلك] متعوذا؛ فقال: " هَلاَّ شَقَقْتُمْ عَنْ قَلْبِهِ؟! " ".

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية، فلقيهم رجل، فسلم عليهم وحياهم بتحية الإسلام، فحمل عليه رجل من السرية فقتله؛ فلامه أصحابه وقالوا: أقتلت رجلا حيانا بتحية الإسلام؟! فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بالذي صنع؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ؟! " فقال: يا رسول الله، إنما قالها متعوذاً؛ قال: " فَهَلاَّ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِه فَتَعْلَمَ ذلك؟! "؛ فنزل قوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً } ".

فلا ندري كيفما كانت القصة؟ ولكن فيه الأمر بالتثبت عند الشبهة, والنهي عن الإقدام عندها، وهكذا الواجب على المؤمن الوقف عند اعتراض الشبهة في كل فعل وكل خبر؛ لأن الله - تعالى - أمر بالتثبت في الأفعال بقوله: { فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً } ، وقال في الخبر:إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ } [الحجرات: 6] أمر بالتثبت في الأخبار عند الشبهة، كما أمر في الأفعال لنبيه صلى الله عليه وسلم:وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء: 36].

وفي الآية دليل فساد قول المعتزلة؛ لأنه نهاهم أن يقولوا [لمن قال]: إني مسلم: لست مؤمناً، وهم يقولون: صاحب الكبيرة ليس بمؤمن، وهو يقول ألف مرة على المثل: إني مسلم، فإذا نهى أن يقولوا: ليس بمؤمن، أمرهم أن يقولوا: هو مؤمن؛ فيقال لهم:أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ } [البقرة: 140] على ما قيل لأولئك.

وقوله - عز وجل -: { تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا }.

قيل: الغنيمة: { فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ } هذا يحتمل وجهين:

يحتمل قوله: { فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ } أي: أجر عظيم وجزاء كثير.

السابقالتالي
2