الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }

قوله - عز وجل -: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } اختلف فيه:

عن ابن عباس - رضي الله عنه -: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً }: أي: لا ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمناً بغير حق عمداً، إلا خطئاً فيما لا يملكه.

وقيل: { إِلاَّ } بموضع الواو، كأنه قال: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً متعمداً ولا خطأ، وذلك جائز في اللغة.

وقيل: وما كان ينبغي لمؤمن أن يترك قتله إذا قتل آخر عمداً إلا خطأ، فإنه يترك قتله ولا يقتل به؛ وهو قول أبي بكر الكسائي.

وقيل: وما كان ينبغي لمؤمن أن يترك حكم قتله إلا خطأ.

قال أبو بكر الكسائي: حكم القتل ما ذكرنا من القصاص والقود، أو كلام نحو هذا.

ويحتمل قوله: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً } قط بعد ما سبق من الله بيانه في غير آي من القرآن، نحو قوله - تعالى -:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ } [البقرة: 178]، وقوله - تعالى -:وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } [المائدة: 45]، وقوله - تعالى -:وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً } [الإسراء: 33]، وغيرها من الآيات.

{ إِلاَّ خَطَئاً } فإنه لم يسبق منه الحكم فيه إلا في هذه الآية.

وقيل: وليس لمؤمن أن يقتل مؤمناً على كل حال إلا أن يقتله مخطئاً؛ فعليه ما في القرآن. وهو قريب مما ذكرنا.

ثم الخطأ - عندنا - على وجهين: خطأ قصد، وخطأ دين.

فخطأ القصد: هو أن يقصد أحداً فيصيب غيره.

وخطأ الدين: هو أن يعرفه مشركاً كافراً من قبل حلال الدم؛ فيقتله على ما عرفه من قبل، وهو للحال مسلم.

فإن قيل: كيف لزمه في قتل الخطأ ما لزمه من الكفارة؟ وقد أخبر الله - عز جل - أنه لا يؤاخذه له، وأن لا حرج عليه في ذلك؛ بقوله:لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } [البقرة: 225]، وقال في آية أخرى:وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [الأحزاب: 5]، وغيرها من الآيات.

قيل: إن الفعل فعل مأثم، وإن كان لم يوجد منه القصد فيه، فما أُوجِبَ إنما أُوجِبَ؛ لما الفعل فعل مأثم.

والثاني: يجوز أن يكون الله يكلفنا بترك القتل والفعل في حال السهو والغفلة، ألا ترى أنه قال:لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة: 286]، والخطأ نقيض الصواب؛ فلا يجوز أن يؤمر بطلب الصواب ولا ينهي عن إتيان ضده؛ كقوله - تعالى -:وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا... } الآية [القصص: 77].

ثم اختلف في المعنى الذي أوجب عليه رقبة مؤمنة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد