قوله - عز وجل -: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } اختلف فيه: عن ابن عباس - رضي الله عنه -: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً }: أي: لا ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمناً بغير حق عمداً، إلا خطئاً فيما لا يملكه. وقيل: { إِلاَّ } بموضع الواو، كأنه قال: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً متعمداً ولا خطأ، وذلك جائز في اللغة. وقيل: وما كان ينبغي لمؤمن أن يترك قتله إذا قتل آخر عمداً إلا خطأ، فإنه يترك قتله ولا يقتل به؛ وهو قول أبي بكر الكسائي. وقيل: وما كان ينبغي لمؤمن أن يترك حكم قتله إلا خطأ. قال أبو بكر الكسائي: حكم القتل ما ذكرنا من القصاص والقود، أو كلام نحو هذا. ويحتمل قوله: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً } قط بعد ما سبق من الله بيانه في غير آي من القرآن، نحو قوله - تعالى -:{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ } [البقرة: 178]، وقوله - تعالى -:{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } [المائدة: 45]، وقوله - تعالى -:{ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً } [الإسراء: 33]، وغيرها من الآيات. { إِلاَّ خَطَئاً } فإنه لم يسبق منه الحكم فيه إلا في هذه الآية. وقيل: وليس لمؤمن أن يقتل مؤمناً على كل حال إلا أن يقتله مخطئاً؛ فعليه ما في القرآن. وهو قريب مما ذكرنا. ثم الخطأ - عندنا - على وجهين: خطأ قصد، وخطأ دين. فخطأ القصد: هو أن يقصد أحداً فيصيب غيره. وخطأ الدين: هو أن يعرفه مشركاً كافراً من قبل حلال الدم؛ فيقتله على ما عرفه من قبل، وهو للحال مسلم. فإن قيل: كيف لزمه في قتل الخطأ ما لزمه من الكفارة؟ وقد أخبر الله - عز جل - أنه لا يؤاخذه له، وأن لا حرج عليه في ذلك؛ بقوله:{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } [البقرة: 225]، وقال في آية أخرى:{ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [الأحزاب: 5]، وغيرها من الآيات. قيل: إن الفعل فعل مأثم، وإن كان لم يوجد منه القصد فيه، فما أُوجِبَ إنما أُوجِبَ؛ لما الفعل فعل مأثم. والثاني: يجوز أن يكون الله يكلفنا بترك القتل والفعل في حال السهو والغفلة، ألا ترى أنه قال:{ لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة: 286]، والخطأ نقيض الصواب؛ فلا يجوز أن يؤمر بطلب الصواب ولا ينهي عن إتيان ضده؛ كقوله - تعالى -:{ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا... } الآية [القصص: 77]. ثم اختلف في المعنى الذي أوجب عليه رقبة مؤمنة.