الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } * { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }

قوله - عز وجل -: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ }.

قال بعضهم: استثنى الذين خرجوا من دار الهجرة مرتدين إلى قومهم، وكان بينهم وبين المؤمنين عهد وميثاق، وقال: وفيهم نزل قوله - تعالى -:إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [التوبة: 4] كأنه قال - والله أعلم -: إن وصل هؤلاء إلى أولئك الذين بينكم وبينهم عهد وميثاق - فلا تقاتلوهم.

وقيل: كان هذا في حي من العرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان وعهد، وكانت الموادعة على أن من أتاهم من المسلمين فهو آمن، ومن جاء منهم إلى المؤمنين فهو آمن، يقول - والله أعلم -: إن وصل هؤلاء أو غيرهم إلى أهل عهدهم - أو قال: عهدكم - فإن لهم مثل الذي لأولئك من العهد وترك القتال.

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما صد مشركو مكة نبي الله صلى الله عليه وسلم عن البيت - جاء رجل - يقال كذا من بعض القبائل - لينظر ما أمر محمد وقريش؛ فرآهم قد حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين البيت، فقال: يا معشر قريش، [هلكتم]؛ أتردُّون قوماً عمار ضفروا رءوسهم عن البيت، والله لا نشرككم في هذا؛ فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم ووادعه ألا يكونوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكونوا عليه، ومن لجأ إليه فهو آمن.

فلا ندري كيف كانت القصة في ذلك، غير أن فيه دليلا أن من اتصل بأهل العهد وكان على رأيهم - فهو بمنزلتهم، لا نقاتلهم.

ومن قولنا: إن الإمام إذا وادع أهل بلدة من بلدان أهل الحرب، فمن دخل فيها أو اتصل بهم فهم آمنون مثلهم؛ لا يحل قتالهم، ولا أسرهم، حتى ينبذ إليهم عهدهم، وإذا أمَّن قوماً منهم في دار الإسلام ووادعهم، ثم انضم إليهم آخرون، فدخلوا معهم دار الإسلام - له قتالهم وأسرهم. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ }.

قيل: أي: ضيقة صدورهم، وهكذا قال الكسائي: كل من ضاق صدره عن فعل أو كلام؛ [فقد حصر]، فهذا - والله أعلم - ما ذكرنا: أن الموادعة ألا يعين بعضهم بعضاً في القتال، ولا يعينوا عليهم عدوهم، فنهاهم الله عن قتالهم؛ لما أخبر أن قلوبهم تضيق على أن يقاتلوكم مع قومهم أو أن يقاتلوا قومهم معكم.

وفي قوله - تعالى - أيضاً: { أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } يحتمل: أن يكون حكم هذا الحرف ما ضَمَّنه الحرف الأول؛ فيكون ذلك الشيء عمن ذكرت إذا كان هذا صفته - أن يضيق صدره عن مقاتلة المؤمنين والكافرين جميعاً: إما بالطبع، أو بوفاء العهد، أو بالنظر في الأمر؛ ليتبين له الحق، وهو متردد في الأمر؛ بما يجد المعروفين بالكتب التي احتج بها الرسول صلى الله عليه وسلم مختلفين فيه على ما عقولهم مرتقب بهم، أو تخلف عن الإحاطة بحق الحق إلا بعد طول النظر، والله أعلم؛ فيكون معنى قوله: { أَوْ جَآءُوكُمْ } بمعنى: وجاءوكم.

السابقالتالي
2