الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } * { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

قوله تعالى: وقوله - عز وجل -: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ }.

اختلف في قصّة الآية: قيل: إن ناساً من [أهل] مكة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، فأسلموا، وأقاموا بها ما شاء الله أن يقيموا، ثم ندموا على الهجرة والإقامة فيها، وأرادوا الرجعة إلى مكة واجتووا المدينة؛ فخرجوا يتحولون مَنْقَلَةً مَنْقَلَةً، حتى تباعدوا من المدينة، فلحقوا بمكة، فكتبوا كتاباً، ثم بعثوا به مع رسول من قبلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم به الرسول عليه بالمدينة، فإذا فيه: " إنا على الذي فارقناك عليه من التصديق بالله وبرسوله، اشتقنا إلى إرضنا، واجتوينا المدينة ". ثم إنهم خرجوا من مكة متوجهين إلى الشام للتجارة، فبلغ ذلك المسلمين وهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال بعضهم لبعض: فما يمنعنا أن نخرج إلى هؤلاء الذين رغبوا عن ديننا، وتركوا هجرتنا، فنقتلهم ونأخذ ما معهم؟! فقال فريق منهم: كيف تقتلون قوماً على دينكم؟! ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا ينهي واحداً من الفريقين؛ حتى نزل قوله - تعالى -: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ }: يبين الله - عز وجل - لرسوله أمرهم وما صاروا إليه.

وقيل: تخلَّف رجال عن أُحُد، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فئتين: فرقة تقول: [اعف عنهم، وفرقة تقول: نقتلهم]؛ فنزلت الآية: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ }.

وقيل: إن قوماً كانوا يتحدثون، فاختصموا في أهل مكة: فقال بعضهم: إنهم كفار، وقال آخرون: إنهم قد أكلوا ذبائحكم، وصلوا صلاتكم، وأجابوا دعوتكم؛ فهم معكم، وقال غيرهم: تركوا النبي صلى الله عليه وسلم وتخلفوا عنه. فأكثروا في ذلك؛ فنزل قوله - تعالى - { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ... } الآية، فلا ندري كيف كانت القصة، ولكن فيه النهي عن الاختلاف والتنازع بينهم؛ كأنه قال - والله أعلم -: كيف تختلفون في قوم ظهر نفاقهم؟ وكيف لا تسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالهم وهو بين أظهركم؟! كقوله - تعالى -:فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ... } الآية [النساء: 59]، وظهور نفاقهم يحتمل الخبر منه نصّاً أنهم منافقون.

ويحتمل الظهور بالاستدلال على أفعالهم، وقد يوقف على حال المرء بفعله أنه كافر أو مؤمن.

وقوله - عز وجل -: { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ }.

قال الكسائي: فيه لغتان؛ [يقال]: أركسته في أمر كذا وكذا وركسته، وارتكس الرجل: إذا وقع فيه ورجع إليه.

وقيل في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - وحفصة - رضي الله عنها -: " والله ركسهم بما كسبوا ".

السابقالتالي
2 3