الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً }

قوله - عز وجل -: { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ }.

ذكر التحية، ولم يذكر ما تلك التحية، واسم التحية يقع على أشياء: من نحو ما جعل الصلاة لتحية المسجد، والطواف تحية البيت، وغير ذلك مما يكثر عددها، لكن أهل التأويل أجمعوا على صرف هذه التحية إلى السلام دون غيرها من التحية التي ذكرنا؛ ألا ترى أنه قال - عز وجل -: { أَوْ رُدُّوهَآ }؟! ولو كان غيرها أراد - لم يقل: { أَوْ رُدُّوهَآ }؛ لأن غيرها من التحية لا يرد؛ إذ في الرد ترك القبول، ولم يؤمر بذلك؛ دل أنه أراد بالتحية: السلام، ويدل على ذلك آيات من كتاب الله - تعالى -: قال الله - عز وجل -:فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النور: 61]؛ فجعل تحية الملائكة للمؤمنين السلام؛ كقوله - تعالى -:سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ } [الرعد: 24]، وجعل تحية أهل الجنة السلام؛ كقوله - تعالى -:لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً } [مريم: 62]، وكقوله - تعالى -:تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } [إبراهيم: 23]، وتحية الملائكة بعضهم على بعض: بالسلام؛ ألا ترى أنه قال [الله - تعالى -:]فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ... } الآية [النور: 61]، فعلى ذلك يمكن أن يكون المراد من قوله - تعالى -: { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ }: السلام، وجعل الله - عز وجل - السلام علماً وشعاراً فيما بين المسلمين، وأماناً يؤمن بعضهم بعضاً من شره؛ ألا ترى أن أهل الريبة لا يسلِّمون ولا يردون السلام، وإن كانوا لا يعرفون تفسيره ولا معناه؟! ولكن على الطبع جعل ذلك لهم.

والسلام: قيل: هم اسم من أسماء الله - تعالى - فهو يحتمل وجوهاً:

يحتمل: سلامٌ مسَلَّمٌ طاهر عن الأشباه والأشكال، وسلام عدل منزه عن العيوب كلها، والجور والظلم.

وقوله: " رحمت الله " ، أي: برحمته ينجو مَنْ نجا، وسعد من سعد: " وبركاته ": به ينال كل خير، وهو اسم كل خير؛ ألا ترى أنه جعل التحليل من الصلاة بالسلام بقوله: " السلام عليكم ورحمة الله "؛ على ما جعل تحريمها باسم الله؛ فعلى ذلك جعل الافتتاح بما به جعل الختم.

ثم اختلف في قوله - عز وجل -: { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ }:

فقيل: حيوا بأحسن منها للمسلمين، أو ردوها على أهل الكتاب.

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: نهينا أن نزيد على أهل الكتاب على: عليك، وعليكم.

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: السلام: [اسم] من أسماء الله وصفاته في الأرض، فأفشوه بينكم؛ فإن الرجل إذا سلَّم كتبت له عشر حسنات، فإن [هم] ردوها عليه كتب لهم مثله.

السابقالتالي
2 3