الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }

قوله - عز وجل -: { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ }.

وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: " وإذا جاءهم نبأ من خوف أو أمن أذاعوه " وكذلك في حرف حفصة.

قال الكسائي: هما لغتان، أذعت به وأذعته: إذا أفشيته.

وقيل: سمعوا به وأفشوه.

وقيل: أفشوه وأشاعوه.

ثم اختلف فيمن نزلت: قال الحسن: نزلت في المؤمنين؛ وذلك أنهم إذا سمعوا خبراً من أخبار السرايا والعساكر - مما يسرّون ويفرحون - أفشوه في الناس؛ فرحاً منهم، وإذا سمعوا ما يحزنهم ويهمهم أظهروه في الناس؛ حزناً وغمّاً، ثم استثنى إلا قليلا منهم لا يذيعون ولا يفشون بالخبر؛ فلو سكتوا وردُّوا الخبر إلى [رسول الله] صلى الله عليه وسلم حتى يخبر النبي ما كان من الأمر، أو ردُّوه إلى أولي الأمر حتى يكونوا هم الذين يخبرون به - كان أولى، وهو على التقديم والتأخير.

وقال أبو بكر الكسائي: نزلت الآية في المنافقين؛ وذلك أن المنافقين إذا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر عن نصر المسلمين [أذاعوا] إلى الأعداء بذلك ليستعدوا على ذلك، وإذا سمعوا أن الأعداء قد اجتمعوا وأعدوا للحرب أخبروا بذلك ضعفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليمتنعوا عن الخروج إليهم؛ فقال الله - عز وجل -: { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ } حتى كان هو مخبرهم عن ذلك، أو ردّوا إلى أولي الأمر منهم؛ ليخبروا بذلك، والله أعلم.

ثم اختلف في { أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ }:

قيل: هم أمراء السرايا.

وقيل: هم العلماء الفقهاء.

{ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }.

الذين يطلبون علمه بقوله.

وقيل: { أُوْلِي ٱلأَمْرِ } - هاهنا - مثل أبي بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم.

{ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } أي: يستخرجونه من كتاب الله تعالى.

وقيل: { أُوْلِي ٱلأَمْرِ } ولاة الأمر الذين يستنبطونه، والذين أذاعوا به: قوم إما منافقون وإما مؤمنون، على ما ذكرنا، إنما هو: أذاعوا به إلا قليلا منهم { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ... } الآية على قول بعض.

وقوله: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }.

اختلف فيه: قيل: فَضْلُ الله: [رسولنا] محمد صلى الله عليه وسلم، ورحمته: القرآن؛ تأويله: لولا محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن لاتبعوا الشيطان إلا قليلا منهم لم يتبعوه، ولكن آمنوا بالعقل.

وقيل: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } في الأمر والنهي عن الإذاعة والإفشاء، وإلا لأذاعوه واتبعوا الشيطان في إذاعتهم به { إِلاَّ قَلِيلاً } منهم فإنهم لا يذيعون به.

وعن الضحَّاك قال: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا حدَّثوا أنفسهم بأمور من أمور الشيطان إلا طائفة منهم لم يحدثوا بها أنفسهم.

السابقالتالي
2 3