الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً }

قوله - عز وجل -: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ... } الآية.

اختلف فيه؛ قيل: نزلت الآية في بني إسرائيل، وهي الآية التي ذكرها الله - تعالى - في سورة البقرة:أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ... } [البقرة: 246] إلى قوله:فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } [البقرة: 246].

وقيل: إنها نزلت في المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال كفار مكة سرّاً؛ لكثرة ما يلقون من الأذى منهم؛ فنزل قوله - تعالى -: { كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ } أي: لم أؤمر بالقتال، فنهاهم عن ذلك، فلما كتب عليهم القتال وأمروا به كرهوا ذلك؛ فدل قوله - تعالى -: { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ... } الآية.

وقيل: إنها نزلت في المنافقين الذين كانوا يقاتلون مع النبي، صلى الله عليه وسلم.

وقوله - عز وجل -: { يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ } أي: يخشون الناس - يعني المنافقين - كخشية المؤمنين الله أو أشد خشية؛ كقوله - سبحانه وتعالى -:يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً } [البقرة: 165].

وإن كانت في المؤمنين؛ فتأويله: يخشون الناس في القتال كخشية الله في الموت أو أشد خشية؛ لأنه أهيب وأسرع نفاذاً، والله أعلم.

وقوله - عز وجل أيضاً -: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ... } الآية.

تكلموا في ذلك:

فمنهم من جعله خبراً عن أمر بني إسرائيل الذين قالوا لنبي لهم:ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً... } [البقرة: 246] الآية، أنهم إذا أمروا بالكف عن مقاتلته تمنوا الإذن في ذلك، وسألوا نبيهم - عليه السلام - عن ذلك، ثم فيهم من أعرض عن الطاعة، وقد كان أهل الإيمان يتمنون الإذن في ذلك؛ كقوله - تعالى -:وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } [آل عمران: 143] فوعظوا بمن ذكرت؛ ليقبلوا العافية، ولا يتمنوا محنة فيها شدّة، فيبعثهم على ما بعث أولئك.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ العَافِيَةَ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَشوروا فِي وُجُوهِهِمْ ".

أو كان في علم الله - سبحانه وتعالى - أن يأمرهم، فَأُخْبِرُوا بالذين قتلوا وحل بهم؛ لئلا يفعلوا مثل فعلهم، والله أعلم.

وخشيتهم كخشية الله؛ كقوله - تعالى -:لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ... } [البقرة: 249] إلى تمام القصة.

وقد قيل: الآية نزلت فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجيبوا في ذلك، ثم خاطبهم الذي ذكر.

لكن اختلف في ذلك:

فمنهم من يقول: كان ذلك في المصدقين؛ لكن اشتد عليهم الأمر، وذلك [نحو] ما كان منهم يوم حنين وأحد [ونحو ذلك]، حتى أغاثهم الله - تعالى - وفرج عنهم بِمنَّه، وعلى ذلك قوله - تعالى -:

السابقالتالي
2 3 4