الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } * { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

قوله - عز وجل -: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ... } [الآية].

يحتمل قوله - تعالى -: { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } وجوهاً.

قيل: { لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي: بمشيئة الله.

وقيل: { لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي: بأمر الله.

وقيل: { لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي: بعلم الله.

ومن قال: { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، بمشيئة الله؛ أي: من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يطيعه بمشيئته، وكذلك من عصاه إنما يعصيه بمشيئته، من أطاعه أو عصاه فإنما ذلك كله بمشيئة الله.

ومن تأول: { إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } العلم، يقول: إنه يعلم من يطيعه ومن يعصيه، أي: كل ذلك إنما يكون بعلمه، لا عن غفلة منه وسهو، كصنيع ملوك الأرض أن ما يستقبلهم من العصيان والخلاف إنما يستقبلهم [لغفلة] منهم وسهو بالعواقب، فأما الله - سبحانه وتعالى - إذا بعث رسلا بعث على علم منه بالطاعة لهم وبالمعصية، لكنه بعثهم لما لا ينفعه طاعة أحد؛ ولا يضره معصية أحد، فإنما ضرّ ذلك عليهم، ونفعه لهم.

ثم قالت المعتزلة في قوله - تعالى -: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ }: أخبر أنه ما أرسل الرسل إلا لتطاع، ومن الرسل من لم يطع؛ كيف لا تبينتم أن من الفعل ما قد أراد - عز وجل - أن يفعل، وأن يكون، ولكن لم يكن على ما أخبر أنه ما أرسل من رسول إلا ليطاع.

ثم من قد كان من الرسل ولم يطع.

قيل: هو ما ذكر في آخره: { إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي: بمشيئة الله، فمن شاء من الرسل أن يطاع فقد أطيع، ومن شاء ألا يطاع، فلم يطع، وكذلك من علم أنه يطاع فأرسله ليطاع فأطيع، ومن علم أنه لا يطاع فلم يطع، ومن أرسل أن يطاع بأمر ليكون عليه الأمر فذلك مستقيم، ومن أرسل ليطاع بالأمر فلا يجوز ألا يطاع.

وقوله - أيضاً -: { لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }.

قيل فيه: بأمر الله، وقد مرّ بيانه.

وقيل: ليطاع بمشيئة الله؛ فيطيعه كل من شاء الله.

وقيل: بعلم الله، فهو فيمن يعلم أنه يطيعه؛ إذ لا يجوز أن يعلم الطاعة ممن لا يكون.

والمعتزلة في هذا: أنه أخبر [أنه] أرسل ليطاع، ولم يطعه الكل ما يبعد أن يكون أراد ليطاع وإن كان لا يطيعه الكل.

فقلنا: إذا قال: { لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، والإذن يتوجه إلى ما ذكرت؛ فعلى ما ذكرت كان ليطاع ممن يطيعه لا غير؛ فحصل الأمر على الدعوى، وهو كقوله - تعالى -:وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] ومعلوم أن الصغار منهم لا يعبدون، فخرج الخبر إلى الخصوص بالوجود، لا أن كان في كل أمر؛ فعلى ذلك أمر الإرادة فيمن وجد؛ لا أنه في كل على أنه فيه بعلم، وهو يرجع إلى بعض دون الكل، فمثله الإذن على إرادة المشيئة، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3