الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا }.

قيل: " لما فتح الله مكة على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال العباس - رضي الله عنه -: يا رسول الله، لو جعلت السقاية والحجابة فينا؛ فأخذ مفاتيح الكعبة من ولد شيبة فدفعها إلى العباس؛ فأنزل الله - تعالى - هذه الآية، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة فردها إلى ولد شيبة، ثم قال [النبي صلى الله عليه وسلم]: " يَا عَمِّ، إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَحَبَّ أَنْ يرزأ ولا يرزأ شيئا ".

وقيل: إنها نزلت في الأمراء في الفيء الذين استأمنهم على جمعها وقسمتها، والصدقات التي استأمنهم على جمعها وقسمتها.

والآية يجب أن تكون نازلة في كل أمانة اؤتمن المرء فيها، من نحو ما كان فيما كان بينه وبين ربه، وما كان فيها بين الخلق.

أما ما كان فيما بينه وبين ربه، من نحو العبادات التي أمر المرء بأدائها، ومن نحو تعليم العلم الذي رزقه الله - تعالى - كقوله - سبحانه وتعالى -:إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ... } الآية [الأحزاب: 72]، وكقوله - تعالى -:كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ... } الآية [المائدة: 8]، وكقوله - تعالى -: { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ } كل ذلك أمانة تدخل في قوله - تعالى -: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } ، وكذلك أمانة يؤتمن المرء عليها تدخل في ذلك.

ذكر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ عَلَيْهَا، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ".

ومن قال: نزلت في الأمراء، استدل بقوله - تعالى -: { أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ }؛ لأن الحكم إلى الأمراء.

وعن ابن عباس - رضي الله عنه -: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } قال: هي مبهمة، المؤمن والكافر سواء.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ }.

من الحكومة بالعدل، وأداء الأمانات [إلى أهلها].

{ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }.

يحتمل: مجيباً لمن دعا له وسأل؛ كقوله - عز وجل -:وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186] يجيب لمن [استجاب له]، وأدى الأمانة.

ويحتمل: { سَمِيعاً بَصِيراً } أي: لا يخفى عليه شيء.

واختلف أهل العلم في العارية إذا ضاعت:

قال أصحابنا - رحمهم الله -: لا شيء عليه.

وقال غيرهم: عليه الضمان.

ولأصحابنا - رحمهم الله - في ذلك عدة حجج:

أحدها: أن المستعير إن لبس القميص، أو ركب الدابة، أو حمل عليها ما أذن له في حمله عليها، وأصابها في ذلك نقصان في قيمتها - فلا شيء عليه فإذا لم يكن عليه ضمان فيما وقع بها من الضرر والنقص بفعله، ولبسه، وركوبه - فلا يجب عليه ضمان ما هلك منها بغير فعله.

السابقالتالي
2