الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } * { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً }

قوله - عز وجل -: { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ }.

يقول: بل يحسدون محمداً صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله من الكتاب والنبوة؛ يقول الله - عز وجل - ردا عليهم: { فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } فلم يحسدوه؛ فكيف يحسدون محمداً صلى الله عليه وسلم بما آتاه الله - تعالى - من الكتاب والنبوة، وهو من أولاد إبراهيم، عليه السلام؟! فهذا - والله أعلم - معناه.

وقوله - عز وجل -: { وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً }

قيل: أراد الملائكة والجنود.

وقيل: هو ملك سليمان بن داود، [ وداود] كان من آل إبراهيم، عليه السلام.

وقوله - عز وجل -: { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم { عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } يعني: من كثرة النساء، لكن ذلك ليس بحسد، إنما هو طعن طعنوه، وعيب عابوه؛ لأن الحسد هو أن [يرى لآخر] شيئاً ليس له؛ فيتمنى أن يكون ذلك له دونه، وقد كان لهم نساء، لكنه إن كان ذلك فهو طعن طعنوه، وعيب عابوه على كثرة النساء، ويقولون: لو كان نبيّاً لشغلته النبوة عن النساء، ويقولون: يحرم على الناس أكثر من أربع، ويتزوج تسعاً وعشراً؛ فأنزل الله - عز وجل - ردّاً عليهم:وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ... } [الرعد: 38]، وكان لداود تسع وتسعون امرأة، وما قيل - أيضاً - إن لسليمان - عليه السلام - ثلاثمائة سرية وسبعمائة حرائر.

إن ثبت ذلك: فكثرة النساء له لا تمنع ثبوت الرسالة والنبوة، وإنما تمنع كثرة النساء لأحد شيئين:

إما [لخوف الجور]، وإما للعجز عن القيام بإيفاء حقهن.

فالأنبياء - عليهم السلام - يؤمن ناحيتهم الجور، وكانوا يقومون بإيفاء حقهن مع ما كان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لتسع أو لعشر من النساء من آيات النبوة؛ لأنه كان معروفاً بالعبادة لله ليلاً، وبالصيام له نهاراً، وتحمل الجوع وأنواع المشقة تباعاً، ومعلوم في الخلق أن من كان هذا سبيله لم يقدر على وفاء حق امرأة واحدة؛ فضلاً أن يقوم لإيفاء حق العشر وأكثر؛ فدل أنه بالله قدر على ذلك، وعلى ذلك قيام داود - عليه السلام - لمائة من النساء، وقيام سليمان - عليه السلام - لألف منهن، فذلك من آيات النبوة؛ لما ذكرنا: أنه ليس من وسع أحد سواهم القيام بذلك.

وكذلك في قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم لإظهار هذا الدين من غير اتباع كان له، أو ملك، أو فضل سعة - دليل أنه كان بنصر الله أظهر، ويعوذه به جميع هذا الخلق على دينه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7