الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } * { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

قوله - عز وجل -: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً } يقول: أعطوا حظّاً من علم الكتاب، وهم علماؤهم، يشترون الضلالة بعلم الكتاب.

ويحتمل: يشترون الضلالة بالهدى، [وكذلك قيل في حرف حفصة على ما ذكر في غير هذه الآية:ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } [البقرة: 16] وذلك أنهم كانوا آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فلما لم يبعث على هواهم، كفروا به؛ كقوله - تعالى -:وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [البقرة: 89].

ويحتمل: يشترون ضلالة غيرهم بالتحريف، والرشاء، ونحو ذلك؛ كقوله - تعالى -:إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [الأنفال: 36] وقوله:ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا } [العنكبوت: 12].

{ أَلَمْ تَرَ } حرف التعجب عن أمر قد بلغه؛ فيخرج مخرج التذكير، أو لم يبلغه؛ فيخرج مخرج التعليم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } يحتمل وجهين:

{ وَيُرِيدُونَ } أي: يتمنون أن تضلوا السبيل؛ لتدوم لهم الرياسة والسياسة؛ إذ كانت لهم الرياسة على من كان على دينهم، ولم يكن لهم ذلك على من لم يكن على دينهم؛ فتمنوا أن يكونوا على دينهم؛ لتكون لهم الرياسة عليهم.

وقيل: { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } أي: يأمرونهم ويدعونهم إلى دينهم؛ لما ذكرنا من طلب المنافع، وإبقاء الرياسة، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ }.

كأنهم - والله أعلم - يطلبون موالاة المؤمنين، ويظهرون لهم الموافقة، فنهي الله - تعالى - المؤمنين عن موالاتهم؛ كقوله - تعالى -:لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ... } [آل عمران: 118] إلى قوله - سبحانه وتعالى -:هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ... } [آل عمران: 119] الآية فأخبر الله - تعالى - المؤمنين أنه أعلم بأعدائكم منكم.

ويحتمل أن يكون المؤمنون استنصروهم، واستعانوا بهم في أمر، فأخبر - عز وجل - أنهم أعداؤكم، وهو أعلم بهم منكم.

ثم قال: { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً }.

أي: كفي به وليّاً ومعيناً، وكفي به ناصراً.

ويحتمل قوله: { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } مما أعطاكم من أعطاكم؛ أي: لا ولي أفضل من الله - تعالى- ولا ناصراً أفضل منه، منه البراهين والحجج، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } ، وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً * مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } على الاستئناف، والابتداء خبر، وفي حرف غيره: { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } - معناه والله أعلم: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب من الذين هادوا، لا ذكر للنصارى في ذلك.

وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - ذكر النصارى في الذين أوتوا نصيباً.

السابقالتالي
2