الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } * { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } * { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } وقوله - تعالى -: { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } ونَقِيراً } [النساء: 124]وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } [فصلت: 46].

ذكر هذا - والله أعلم - لئلا يظن جاهل إذا رأي ألم الأطفال والصغار وما يحل بهم أن ذلك ظلم منه لهم، لكن ذلك - والله أعلم - ليعلم أن الصحة والسلامة إفضال من الله - تعالى - لهم، لا لحق [لهم عليه في] ذلك؛ إذ له أن يخلق كيف شاء: صحيحاً، وسقيماً، ثم من ظلم آخر في الشاهد إنما يظلم لإحدى خلتين:

إما لجهل بالعدل والحق، وإما لحاجة تمسه يدفع ذلك عن نفسه، فيحمله على الظلم، فالله - سبحانه وتعالى - غني بذاته، عالم، لم يزل يتعالى عن أن تمسه حاجة؛ أو يخفى عليه شيء مع ما كان معنى الظلم في الشاهد هو التنازل مما ليس له بغير إذن من له وكل الخلائق من كل الوجوه له؛ فلا معنى ثَمَّ للظلم.

ثم قيل في الذَّرَّة: إنها نملة، وكذلك في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: " مثال نملة ".

وقيل: مثقال حبة، وهو على التمثيل، ليس على التحقيق، ذكر لصغر جثته أنه لا يظلم ذلك المقدار، فكيف ما فوق ذلك؟!، لا أن مثله يحتمل أن يكون، لكن لو كان فهو بتكوينه، وبالله التوفيق.

وقوله - عز وجل -: { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }.

هذا على المعتزلة؛ لأنهم يقولون: من ارتكب كبيرة يخلد في النار ومعه حسنات كثيرة، فأخبر عز وجل -: { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } وهي الجنة، وهذا لسوء ظنهم بالله، وإياسهم من رحمته.

عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ الله - تعالى - لاَ يَظْلِمُ المُؤْمِنَ حَسَنَةً يُثَابُ عَلَيْهَا إِمَّا رِزْقٌ فِي الدُّنْيَا، وإِمَّا جَزَاءٌ فِي الآخِرَةِ ".

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يَقُولُ اللهُ - تَعَالَى -: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِحْسَانٍ " قال أبو سعيد - رضي الله عنه -: فمن شك في ذلك فليقرأ: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ... } الآية.

وقوله - عز وجل -: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ }.

يقول: بالنبي، يعني: بنبيها وجئنا بك يا محمد على هؤلاء شهيداً عليهم، يعني: على أمته، شهيداً بالتصديق لهم؛ لأنهم يشهدون على الأمم للرسل أنهم بلغوا ما أرسلوا [به لما] هو دليل صدقهم، وقامت براهينهم بالرسالة صارت شهادة على هؤلاء؛ أي: لهؤلاء؛ على هذا التأويل؛ كقوله - تعالى -:

السابقالتالي
2