الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } * { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

قوله - تعالى -: { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً }.

عن ابن عباس - رضي الله عنه -: نحلة - قال -: المهر.

وقيل: النحلة: الفريضة، أي: آتوهن فريضتهن.

وقيل: نحلة؛ أي: عطية، أي: تُعْطَى هي لا وليها؛ وهو من النُّحْلَى.

وقيل: نحلة: من نحلة الدَّين، أي: من الدين أن تؤتوا النساء صدقاتهن؛ ليس على ما كانوا يفعلون في الجاهلية: يتزوجون النساء بغير مهورهن؛ ففيه أن لأهل الكفر النكاح بغير مهر.

وقوله - عز وجل -: { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }.

وفي الآية دلالة جواز هبة المرأة من زوجها، وفساد قول من لا يجيز هبة المرأة بمالها حتى تلد أو تبقى في بيته سنة؛ فيجوز أمرها.

وفي الآية - أيضاً -: دليل أن المهر لها؛ حيث أضاف الإحلال والهبة إليهن بقوله: { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }.

وفيه دليل - أيضاً -: أن هبة الديون والبراءة منها جائزة؛ كما جازت هبة المرأة مهرها وهو دين.

وقيل: فيه وجه آخر، وهو أن الآباء في الجاهلية والأولياء كانوا يأخذون مهور نسائهم؛ فأمرهم - عز وجل - ألاَّ يأخذوا ذلك، وحكم بأن المهر للمرأة دون وليها، إلا أن تهبه لوليها؛ فيحل حينئذ.

وقوله - عز وجل -: { فَكُلُوهُ هَنِيئاً }: لا داء فيه، و { مَّرِيئاً }: لا إثم فيه.

وقيل: الهنيء: هو اللذيذ الشهي، الذي يلذ عند تناوله ويسر.

والمريء: الذي عاقبته.

ثم الحكمة في ذكر الهنيء والمريء هنا وجهان:

أحدهما: ما ذكر في الآيات من الوعيد بأخذه منها: يقول - عز وجل -:فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً... } إلى قوله:بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } [النساء: 20-21]؛ لئلا يمتنعوا عن قبول ذلك للوعيد الذي ذكر في الآيات.

والثاني: إن الامتناع عن قبول ما بذلت الزوجة يحمل على حدوث المكروه، ويورث الضغائن؛ وذلك يسبب قطع الزوجية فيما بينهما.

وقيل: قوله - عز وجل -: { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً } ، يعني: بطيبة أنفسكم: يقول: لا تعطوهن مهورهن وأنتم كارهون، ولكن آتوهن وأنفسكم بها طيبة؛ إذ كان المهور لهن دونكم.

وقوله - عز وجل -: { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ } ، أي: ما طابت به أنفسهن من غير كره فهو حلال.

وعن علقمة أنه قال لامرأته: أطعميني من الهنيء المريء.

وعن علي - رضي الله عنه -: قال: إذا اشتكى أحدكم شيئاً فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها، ثم يشتري بها عسلاً، ثم يشربه بماء السماء، فيجمع الله - تعالى - الهنيء المريء والشفاء والماء المبارك.

وفي قوله - أيضاً، عز وجل - " { فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } أن النفقة - وإن كانت عليه - فهي إذا قامت بها في نفسها لا يحرج هو؛ لأن نفقتها عليها ليست بأعظم من نفقته من مالها إذا تطيبت، ووصف بالهنيء المريء بما ربما يستثقل الطبع عن مالها؛ كراهة الامتنان، أو بما كان عليه كفايتها، أو بما جرى من الوعيد الشديد في منع مهرها، أو بما قد تحتشمه فتبذل له، أو بما يوهم الطمع في مالها، والرغبة في النكاح لذلك؛ فطيبه الله - تعالى - حتى وصفه بغاية ما يحتمل المال من الطيب.

السابقالتالي
2 3 4