الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } * { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }

قوله - عز وجل -: { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ }.

قيل: وَحِّدُوا الله.

وقيل: أطيعوا الله. وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.

{ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }.

يحتمل: النهي عن الإشراك في العبادة والطاعة.

ويحتمل: النهي عن الإشراك في الربوبية والألوهية.

ويحتمل: النهي عن الإشراك في سلطانه، وغير ذلك؛ كل ذلك إشراك بالله، وبالله العصمة.

قال بعض أهل اللغة: العبادة هي الطاعة التي معها الخضوع.

وقال بعضهم: التوحيد، وأصلها: أن يجعل العبد نفسه لله عبداً، لا يشرك فيها غيره من هوى أو ما كان من وجوه الإشراك.

ثم له وجهان:

أحدهما: في الاعتقاد.

والثاني: في الاستعمال، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً }.

أمر [الله - تعالى] - بالإحسان إلى الوالدين، وأمر بالإحسان إلى ذي القربى، واليتامى، والمساكين... إلى آخر ما ذكر، لكن المعنى الذي به أمر بالإحسان إلى هؤلاء الأصناف والفرق مختلف: أما إحسان الوالدين:

تَشَكُّرٌ لهما بما أحسنا إليه وربياه صغيراً؛ كقوله:أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ... } [لقمان: 14] وقوله - تعالى -:فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ... } [الإسراء: 23] الآيةوَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } [الإسراء: 24] يذكر حال صغره وضعفه أن كيف ربياه، ويشكر لهما على ذلك، ويحسن إليهما كما أحسنا إليه وربياه صغيراً، وقال [الله] - عز وجل - أيضاً -:وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً } [الأحقاف: 15] فإحسان الوالدين جزاء وتشكر لما أنعما هما عليه، وذلك يكون من جانب [الولد]؛ لأن مثله لا يلزم الوالدين لولده، وذلك فرض على الولد، حتى عد عقوق الوالدين من الكبائر؛ روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أَكْبَرُ الكَبَائِرِ: الإِشْرَاكُ باللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ ".

والواجب على الرجل أن يطيع والديه وكل واحد منهما؛ إلا أن يأمراه بمعصية، أو ينهياه عن أداء فريضة، أو تأخيرها عن وقتها، فإن طاعتهما - حينئذٍ - معصية لله، [ألا ترى إلى] قوله - تعالى -:وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } [لقمان: 15] أمره بمصاحبتهما بالمعروف إلا أن يأمراه بمعصية؛ ولهذا قال أصحابنا - رحمهم الله -: لا ينبغي للرجل أن يقتل أباه الكافر إذا كان محارباً؛ إلا أن يضطره الأب إلى ذلك؛ لأنه قال:وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } [لقمان: 15] فمن المعروف في الدنيا ألا يقتله، ولا يشهر عليه السلاح.

وقالوا أيضا: إن مات أحدهما تولى دفنه، وذلك من حسن الصحبة والمعروف.

روي أن أبا طالب لما مات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " اذْهَبْ فَوَارِهِ ".

ثم في هذه الآية تسوية بين الوالدين فيما أمر له من الإحسان إليهما، [و] لم يجعل للأب فضلا في ذلك على الأم؛ فذلك يدل على أن إسلام كل واحد من الأبوين إسلام للصغير؛ إذ كان الإجماع قائماً في أن إسلام الأب إسلام لولده الصغار، وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7