الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ }

قوله - تعالى -: { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } يحتمل هذا وجهين:

أحدهما: احفظوا أموالهم إلى أن يخرجوا من اليتم، فإذا خرجوا من اليتم أعطوهم أموالهم.

ويحتمل قوله: { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } ، أي: أنفقوا عليهم من أموالهم، ووسعوا عليهم النفقة ولا تضيقوها لينظروا إلى أموال غيرهم.

{ وَآتُواْ } ، بمعنى: آتوا لوقت الخروج من اليتم، أي: احفظوا؛ لتؤتوا.

وقوله - عز وجل -: { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ }

أي: لا تأخذوا الخبيث فتتركوا لهم ما وعد لكم في الآخرة بحفظ أموالهم.

وقيل: لا تأخذوا الجياد من ماله وتعطى الدون من ماله؛ فذلك تبديل الخبيث بالطيب.

وقيل: لا تأكلوا الخبيث: وهو أموال اليتامى، وتذروا الطيب: وهو أموالكم؛ إشفاقاً على أموالكم أن [تفنى].

وقيل: لا تأكلوا الحرام مكان الحلال؛ لأن أكل مال اليتيم حرامٌ، وأكل ماله حلال؛ فنهى أن يبدلوا الخبيث بالطيب.

ويحتمل: لا تأخذ ماله - وهو خبيث - ليؤخذ منك الذي لك وهو طيب.

ويحتمل: لا تأكلوا ذلك؛ إبقاء لأموالكم التي طيبها الله - تعالى - لكم، بما جعل الله لكم خبيثاً.

ويحتمل: { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ } في الدنيا؛ فتكون هي ناراً تأكلونها؛ فتتركون الموعود لكم في إبقاء الخبيث؛ كقوله:إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً... } [الآية] [النساء: 10].

وقوله: { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ }

يحتمل هذا - والله أعلم - وجهين:

يحتمل قوله: { أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } ، أي: مع أموالكم، أي: لا تخلطوا أموالهم مع أموالكم فتأكلوها؛ ففيه نهي عن الخلط والجمع.

ويحتمل: { أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } ، أي: بأموالكم؛ ففيه النهي عن أكل أموالهم بأموال أنفسهم تبعاً؛ كقوله - عز وجل -:وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [الإسراء: 34].

وقوله - تعالى -: { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } بمعنى: لا تجمعوها إليها فتأكلونهما معاً.

ويحتمل: مع أموالكم، والله أعلم.

وقوله - جل وعز - " { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً }

قيل: جوراً.

وقيل: الحوب: الإثم، وهو واحد.

وقيل: خطأ.

وقيل: ذنباً كبيراً.

وقيل إثماً؛ وكذلك روي عن ابن عباس، رضي الله عنه.

وقوله - عز وجل -: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ }.

اختلف في تأويله:

فقيل: إنهم كانوا يخافون من أموال اليتامى ويتحرجون منها؛ لكثرة ما جاء من الوعيد فيها؛ فنزل هذا: { وَإِنْ خِفْتُمْ } وتحرجتم من أموال اليتامى؛ فكذا فتحرجوا من الزنا: { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ... } الآية.

عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: نزلت في يتامى [من يتامى] النساء كُنَّ عند الرجال؛ فتكون اليتيمة الشوهاء عند الرجل - وهي ذات مال - فلا ينكحها؛ لشوهتها، ولا يُنْكِحُهَا؛ ضنّاً بمالها؛ لتموتَ فيرثَها، وإن نكحها أمسكها على غير عدل منه في أداء حقها إليها، ولا ولي لها سواه يطالبه بحقها؛ فأنزل الله - تعالى -: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } فذروهن، ولا تنكحوهن، { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ }.

السابقالتالي
2 3 4