الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } * { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً }

قوله - عز وجل -: { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ }.

يحتمل قوله: يريد الله أن يبين لكم ما تؤتون وما تنفقون، وما لكم وما عليكم، ويبين ما به صلاحكم ومعاشكم في أمر دينكم ودنياكم، لكن حقيقة المراد بالآية: إما أن يكون أراد جميع ما ذكر، أو معنى خاصّاً مما احتمله الكلام، وليس لنا القطع على ما أراد به.

وقوله - عز وجل -: { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }.

[يحتمل] وجوهاً:

أي: يبين لكم سبيل الذين من قبلكم، أي: سبيل الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - وأهل الهدى والطاعة منهم؛ ليعلموا ما عملوا هم وينتهوا عما انتهوا، وكذلك في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: { سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } سبل الذين من قبلكم.

ويحتمل: قوله: { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي: أمر الرسالة والنبوة؛ ليهديكم محمد صلى الله عليه وسلم وهو رسول؛ إذ أمر الرسالة والنبوة ليس ببديع، قد كان في الأمم السالفة رسل وأنبياء - عليهم السلام - فأمر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ليس ببديع ولا حادث؛ كقوله - تعالى -:قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } [الأحقاف: 9].

ويحتمل قوله: { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي: يبين لكم أن كيف كان سنته في الذين خلوا من قبل في أهلاك من عاند الله ورسوله، واستئصال من استأصلهم بتكذيب الرسل والأنبياء - عليهم السلام - والخلاف لهم؛ كقوله - تعالى -:سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } [الأحزاب: 38] وقوله - تعالى -:فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ } [الأنفال: 38].

وقيل: { سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } شرائع الذين من قبلكم من المحرمات والمحللات: من أهل التوراة، والإنجيل، والزبور، وسائر الكتب.

وقوله - عز وجل -: { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ }.

أي: يريد أن يتوب عليكم.

وفي قوله - تعالى - أيضاً -: { سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } يحتمل: يهديكم تلك السنن، أي: يبينها لكم أنها كانت ماذا؟

ويحتمل: { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } بمعنى: جعل تلك السنن هداية لكم.

ثم قوله - عز وجل -: { مِن قَبْلِكُمْ } يحتمل: سنته وسيرته في الذين من قبلكم؛ لتعتبروا به.

ويحتمل: سنتهم التي لزموها، وسيرتهم التي سلكوها بما لها من العواقب؛ لتتعظوا بها، والله أعلم بحقيقة ما انصرف إليه مراد الآية، لكن فيما احتمله، فهاهنا موعظة بيناها فيه، وعلى ذلك معنى قوله - عز وجل -: { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } يحتمل: كل ما به لنا نفع، أو كل ما بنا إليه حاجة، أو كل ما علينا القيام به، أو يرجع ذلك إلى الخاص مما يريد بالآية الإخبار عنه، وأن الذي علينا النظر فيما قد يفضل البيان عنه، وفيما أنبأنا عن سنته فيمن تقدمنا مما نرجو به الهداية والشفاء؛ للقيام بما علينا في ذلك من الحق دون الشهادة عليه - جل ثناؤه - بالمراد فيها في مخرج الكناية دون التصريح من الموعود.

السابقالتالي
2 3