الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ } إلى آخره، يحتمل وجهين:

يحتمل: أي: حرم عليكم الاستمتاع بأمهاتكم وبناتكم وأخواتكم... وما ذكر، والجماع بهن.

ويحتمل: حرمة النكاح، أي: حرم عليكم نكاح أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم، فإن كان هذا أراد، فلا يحرم النكاح لنفس النكاح، ولكن يحرم النكاح؛ لما به يوصل إلى الاستمتاع بالنساء، وإليه يقصد؛ فدل أنه يحرم الجمع بين الأختين في الاستمتاع في ملك اليمين، ولا يحرم الجمع بينهما في العقد.

ثم ذكر الحرمة في الأمهات والبنات والأخوات، ولم يذكر في الجدات فهن محرمات وإن علون، ولم يذكر في بنات البنات، فهن محرمات وإن سفلن.

فعندنا: أن ذكر الحرمة في الأمهات والبنات ذكر في الجدات وإن علون، وفي بنات البنات وإن سفلن؛ لأنه ذكر الحرمة في العمات والخالات، والعمات من ولد الجدّ، والخالات من ولد الجدات، فإنما ذكرت في الأولاد الحرمة، ثبت حرمة الجدات والأجداد، وكذلك ذكر الحرمة في الأخوات وبنات الأخوات، فالحرمة في بنات الأخ والأخوات لحرمة في الأخوات والإخوة، فعلى ذلك ذكر في الأمهات ذكر الحرمة في النبات وبنات البنات، لما ذكرنا.

أو [أن] يقال: إن بنات البنات بناتٌ وإن سفلن، فدخلن في ذكر الحرمة نصّاً، وكذلك أم الأم [أمٌّ] وإن علت، فدخلت في الخطاب.

وقوله - عز وجل -: { وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ }.

ذكر الأمهات من الرضاعة والأخوات، ولم يذكر البنات، قال بشر: إنما لم يذكر البنات من الرضاعة؛ لأنه لا يمكن من الرضاعة البنات؛ لذلك لم يذكر، وذلك اختلاف بيننا وبينه في لبن الفحل، فعندنا لبن الفحل محرم، وعند بشر لا يحرم لبن الفحل، ذكر الله - سبحانه وتعالى - الحرمة في النسب بيننا وبَيَّنَ بيان إحاطة وحقيقة، وذكر الحرمة في الرضاع، وبين بيان كفاية لا بيان إحاطة؛ فإما أن [تركه] للاجتهاد والاستنباط من المذكور، وقد أجمعوا جميعاً أن بنات الإخوة والأخوات من الرضاع كالذكر في أولادها؛ فعلى ذلك يجب أن يكون ذكر الحرمة في الأمهات من الرضاعة ذكراً في بناتها، أو ترك بيان ذلك للسنة: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ " ، وما روي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " جاء عمّي من الرضاعة، فاستأذن عليَّ، فأبيت أن آذن له حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته [عن ذلك]؟ فقال: " إنَّه عَمُّكِ، فَأْذَني لَهُ " فقلت: يا رسول الله، إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل؟! فقال [رسول الله صلى الله عليه وسلم]: " إِنَّهُ عَمُّكِ، فَلْيلِجْ عَلَيْكِ " فقالت عائشة - رضي الله عنها -: وذلك بعد أن ضرب علينا الحجاب ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد